" أمي هذا السندويتش غير لذيذ " ... جملة إلتقطتها عصافير بطني ... تبعت مصدرها ... ولد صغير يجاور أمه ... شورت وقميص عليها رسوم متحرّكة ... مربع أصفر بعيون زرقاء يرتدي شورت بني وحذاء أسود ...
كثرة تذمّره تنبأ بإقتراب الفرج لإعتصار أمعائي ... كل حواسي ترقب الحركة على المقعد المجاور لي ... لم يخب تقديري ... العادة التونسية الأصيلة في التخلّص من شيء غير مرغوب ... سيدة في بداية الثلاثينات تبتعد تمسك يد إبنها ذي السبع أو الست سنين ... خطوات واثقة ثابتة حثيثة توهم الناس أنها لم تفعل شيئا...
إلتقاتة حذرة منها تراقب ما تركته على المقعد ثم نظرة عن يمين وشمال وإنطلقت مسرعة لتبتعد عن مكان جريمتها ... جرائم قوم عند قوم ولائم ... قفزت بسرعة للمقعد المجاور ... يدي تتسلّل بحذر وخجل تتحسس الكيس البلاستكي المهمل على خشب المقعد...
مجموعة من الفتيان يملأ صراخهم المكان أجّلت معرفة نتيجة غنيمتي ... نصف سندويتش قضمه الطفل بإهمال ... فتحته ... لم أنظر ما بداخله ... المهم أن يملأ بطني .... رفعت رأسي للجهة المقابلة في الطريق ... علبة عصير صغيرة مهملة على حافته ... مقاومتها لهبّات الرياح الخفيفة تؤكّد إحتوائها على كمية منه ... الجوع علمني قوانين الفيزياء ...
تأبّطت حقيبتي الصغيرة وكيس الأكل ... خطوات ثابتة قطعت بها الطريق وبسرعة إلتقطت العلبة وهربت من ذلك المكان .... خشيت عينا فضولية تتبعني فيزيد الإحراج في ربط عقدة تخنق روحي الهامدة أصلا ...
حديقة البلفيدير في العاصمة هي المتنفّس الأخضر الوحيد لأهلها ... حديقة الحيوان ... كنت أسمع بها ... أردت الدخول لكن الحارس طلب مني دفع الثمن ... أصلا كل ما تبقى لي هي ورقة ذات 20 دينار أخفيتها بعناية حتى موعد الحافلة للعودة لقريتي ...
أصلا هي لا تغطي مصاريف عودتي ... كنت أخطط لركوب الحافلة للعودة للمدينة القريبة ثم سأمشي على قدمي للعودة لبيتي ... يكفيني ما نلت من مغامرتي هذه ... أسبوعان أتخبّط فيهما بين الشوارع علي أجد عملا ... فلم أجد ما أسد به جوعي سوى ما تجود به القمامة أو ما يهمله أحدهم ... حبست دمعة قهر تتسلل من جفني...
شجرة فارعة في المساحة الخضراء المجانية حول الحديقة كانت ملجئي ... جلست تحتها أتناول ما تركه لي ذلك الطفل ... بدأت أصارع نفسي أن لا تقرف منه ... رشفات من العصير الذي تغيّر طعمه من اثر تركه في الشمس...
هدأ جوع بطني ... وبدأت حرب ضميري ... ألم اقلّ لك لا تذهب ؟؟؟ ليتك سمعت الكلام قبل مغامرتك ؟؟؟ ليتك بقيت في القرية ؟؟؟ كنت ستوفّر ما أنفقت في رحلتك هذه ؟؟؟ ستعود خالي الوفاض ... ستثقل روحك من سخرية الجيران منك ؟؟؟
أسنان عم صلاح الصفراء وهو يضحك من خيبتي كأنياب دراكولا تثقب أوردتي ... صلاح ذلك الرجل الذي يفهم كل شيء سيجعلني محور جلساته تحت الشجرة وهو يلعب الخربع¨ة... لعبة شعبية تلعب بالحجارة ... يقول صلاح دائما أنه بطل العالم فيها...
حركة خفيفة على العشب بجانبي جعلتني أرفع رأسي ... عصفور الدوري المعروف عندنا بالبضويش أو البزويش ... يلتقط فتات الخبز الذي تساقط من لمجتي الملتقطة ...
دورة الحياة مضحكة في هذه العاصمة ... إلتقاط الفتات ... لم أصل أصلا لأتساوى مع هذا العصفور ... هو بنى عشا يأوي له عند الليل ... أنا لم أنم منذ مدّة ... لا البرد ولا الخوف ولا الرصيف سمحى لي بذلك...
صوت طنين أفزع الطير ... رجل يبدو شخصا محترما من ملابسه يضغط على مفتاح سيّارته التي إشتعلت أنوارها مرحبة به وأصدرت صوتا تعلمه انه تحت أمرها ... يده تمسك الهاتف يتحدّث بطريقة صارمة ... ملامح وجهه المنزعجة تؤكّد انه يكلّم زوجته ...
أغلق الباب ورحل ما إن دار المحرّك ... رائحة سيجارة تدغدغ أنفاسي متحدية روائح عوادم السيّارات .. سيجارة شبه مكتملة على حافة الرصيف ... هدية أخرى تجود بها هذه المدينة الكريمة ... تبا ...
زحفت على مؤخرتي حتى وصلت لها ... إلتقطتها ... مسحت مبسمها ... ثم قبّلتها ... شفتاي تعصرانها بشوق ... أوّل أنفاسها بعثت شبه غيبوبة في رأسي لم أدخّن منذ 4 أيّام ... أسندت ظهري للشجرة ونظرت للأعلى...
سخيفة هي أحكامك أيها العالم ... أصلا أنا هربت من قريتي منزعجا أن لا شيء فيها سوى الشجر ... نمت على العشب ونظري يعانق أوراقها في صراعها الأزلي مع أشعة الشمس ... لا الأوراق إستسلمت وتركتها تمرّ ولا الأشعة تراجعت عن محاولتها الإختراق ...
تركت معركتهم الأبدية وأرجت نظري أتابع أغصانها ... حروف كثيرة ... عهود حب رسمت بحد السكاكين على لحائها .... تشهد على لحظات إختلسها عشّاق كثر ... شجرة تجاوز سنها المائة ... كلّ الأشجار هنا هكذا ...
نظام غرسها وترتيبها ليست من إنتاج فكر عربي ... مخلّفات الإستعمار ... أصلا كل شيء هنا مخلّفات الإستعمار ... مستشفيات ... ثكنات ... طرقات ... سكك الحديد ... الجسور ... ماذا فعلنا بعد 60 سنة من الحكم الذاتي لا شيء...
رحت أراجع صراع المرحومين .... عمّ بوشوشة الع¨ومي ... الع¨ومي هي التسمية الشعبية لعملاء فرنسا ... وعم فتّاح المناضل ... بوشوشة كان جنديا في الفيلق الإفريقي للجيش الفرنسي ... ثم عمل عند معمّر فرنسي حتى جلت القوات عن أرضنا ... المعمّر باع أرضه الخصبة لبوشوشة ... وصار ملكا على أهل القرية....
و فتّاح كان مناضلا ... فلاقا ... مقاوما ... رفع السلاح في وجه الإستعمار ...
أبناء عمومة ... جمعها الدم ... الشبه ... لقب العائلة وفرّقهما الموقف...
متعة القرية كانت لما يشتدّ الصراع بينهما ... صراع إمتدّ أكثر من خمسين سنة ... إنتهت الحرب وإنسحبت فرنسا ... وتصالحت الحكومات ونصف شباب القرية هاجر إليها ... وشركاتها إنتصبت عندنا وسلبت خيرنا .... ومعاركهما لم تنتهي...
بوشوشة يتقاضى تقاعدا من الحكومة الفرنسية يكفي لإطعام كل سكّان القرية سنتين ... وفتّاح كرّمته تونس بوسام وبطاقة علاج مجّاني في مستشفى يبعد عن مقرّ سكناه مسافة يقطعها في نفس التوقيت الذي تتمكن الطائرة من الوصول فيه من قرطاج لباريس...
ربما كنت أستحسن كلام بوشوشة عن ما تركه الإستعمار ... تورّد وجهه وصحته الجيدة وهو الذي قارب القرن أكبر دليل ... ربما لو لم تفارقنا فرنسا لكان حال شباب هذا البلد أحسن حالا ...
فتّاح كان ينفعل وتخرج قذفات اللعاب من فمه الأسود ... متهما بوشوشة وأمثاله بالطحين ... الطحين هي أرذل الصفات في الرجل التونسي ... تهمة تطير معها الرقاب لو لم يتراجع قائلها ... الطحّان ... هو الخائن سياسيا ... والديوث إجتماعيا ... والواشي أمنيا ...
عذرا أصدقائي بالمشرق ... فنحن لا نعجن خبزنا بالطحين ... بل إستعرنا الإسم من فرنسا ليصبح الفارينة ... مفارقة عجيبة أن فرنسنا الكلمة ... وإتهمنا من يتعامل مع فرنسا بالطحين ... لا يمكن تفسيره سوى بالطحين...
مؤخرات الفتيات تهتز جيئة و ذهابا ... يمكنك معرفة الدرجة الإجتماعية لفتاة من خلال ليونة مؤخرتها ... نتيجة مغامرتي أني صرت خبيرا في المؤخرات...
قلب كبير يشقه سهم تتقاطر منه قطرات ددمم ... حروف بالفرنسية ... حافظ + فاطمة = حب للأبد ... فاطمة ؟؟؟؟ فاطمة التي كسرت قلبها يوم ودعتها عند البئر منذ أيّام ... تعلّقت بقدمي ألا أذهب ...
شعرها الأصفر وعيناها الزرقاوان ... كل أهل قريتنا على تلك الشاكلة ... ملامحنا أروبية سرقت طبيعتنا القاسية منها الجمال ... العرق الأشقر متواجد بكثرة في تونس ... لا أحد يعرف مصدره ... إذا أردنا الفخر ننسب أنفسنا للأندلس .. وإذا أردنا الإنتساب أكثر لهذا التراب تاريخيا ننسب أنفسنا للموحدين الوندال ... أثارهم لا تزال تشهد على حضارتهم في قريتنا ...
بينما يتهمنا البعض الآخر بأننا أحفاد زنا جدّاتنا مع جيوش الغزات يوما " أولاد العسكر " ... أو ضحية إغتصاب قراصنة بيض لهن يوما ... لكن الأكيد أننا منذ قرون ونحن هكذا ... جلود محروقة وعيون زرق وشعر أصفر .... خليط عجيب ...
فاطمة هي الوحيدة التي كان جلدها أبيض ناصعا ... كيف لا وهي حفيدة بوشوشة الغني من إبنه الوحيد ... ووريثته الوحيدة أيظا ... المستوى الإجتماعي يؤثر على منسوب الجمال ...
فاطمة ... ؟؟؟ العشق الممنوع ؟؟؟ هي تحبني فعلا ؟؟؟ لم أقدر يوما أن أحبها ؟؟ ربما توقيا من كسرت قلب يعرف صاحبه أن لا مستقبل لتلك العلاقة...
تلك الدمعة التي أحرقت خدّها وأنا أتركها وحيدة عند البئر مسرعا الخطى لألحق بسيّارة النقل الريفي ... تلك الورقة النقدية التي دسّتها في يدي كانت آخر لمست بيننا ... وهي آخر ما أملك ...
قالت لي لو عدت يوما أن أجلب لها قصص " عبير" الرومانسية ... طريقة جميلة كي لا تجرح كرامتي ... بدأ صوتها يهدهدني ... حركات الطيور بجانبي تدغدغ جفوني ... النسيم يسحبني لعالم آخر ... أغمضت عيني وتهت في نوم عميق ... أحلام إختلطت بكل الأصوات حولي ... منبهات و صراخ ودوي محركات كلها كانت مؤثرات صوتية في حلمي معدوم الملامح ...
صوت غلق باب سيّارة بعنف ورجل يسب الميكانيك ومن إكتشفه ... فتحت عيني وقد بدأت النسمات الباردة تخز عظامي ... رجل يقارب الخمسين يصارع سيّارة نقل بيضاء ... تبدو اكبر منه سنا ...
نظرت للسماء ... الليل أسدل ستاره ... موعد الحافلة ... محطة باب سعدون ... ضاع أملي في العودة ... بدأ قلبي يفقد نبضه رعبا من ليلة أخرى في هذه المدينة التي لا تريد تركي ... صوت مؤدّب يعيدني للواقع " شباب ... ممكن مساعدة ... يرحم والديك "
إقتربت منه مستفسرا طلبه .... قال فقط دفعة بسيطة تساعد العجلات على الدوران لكي يشتغل المحرّك ... ركب شاحنته ... وضعت حقيبتي في الصندوق الخلفي لها ... وإستجمعت ما بقي في من قوّة ودفعت العربة ... بدأت سرعتها تزيد ليمتلأ حلقي بدخان أسود كثيف تزامن مع صوت محرّكها الذي زعزع صمت المكان...
أخرج يده من شبّاك الشاحنة ... مناديا بأعلى صوته ... " يرحم والديك " ... لم أسترجع أنفاسي من أثر السعال و****اث حتى غابت السيّارة عن المكان ... الحقيبة ؟؟؟ ملابسي ؟؟؟
بدأت بالجري ورائه ككلب يطارد طائرة ... توقّف في إشارة حمراء ... زادت سرعتي للحاق به ... ما إن قاربت الوصول له حتى إخضرّت الإشارة ... أصوات المنبهات تربك خطواتي ...
أرجل تطارد شاحنة ... كسباق مداومة غير متكافئ... لم تجعلني الإشارات أسلّم أمري ولا هي مكنتني من اللحاق به ... بدأت خطواتي تثقل بفعل الإنهاك وبفعل الربوة التي كان الطريق يشقها ...
ضاعت الشاحنة وضاعت حقيبتي ... توقفت أسترجع أنفاسي ... خنقتني العبرة ... كل شيء ضاع ... بدأت أمشي على غير هدى ... الطريق شبه مقفرة ... لكن الأنوار تسمح لي بالرؤيا ...
المكان يبدو فخما ... أسوار عالية تحجب ما ورائها ... الطريق تعتبر جيّدة مقارنة بباقي أرجاء المدينة ... بدأت أتسلّق تلك الربوة ... وصلت لنهايتها ... نزل يبدو فخما جدا ... علامة إتجاه تشير أنه الشيراتون ... إسمه فقط يرعبني .... خفت من نظرات الحارسين ... فأسرعت الخطى مبتعدا عنهما...
وقفت أنظر حولي ... يمكنني رؤية كل أرجاء المدينة ... على إمتداد البصر تصلك أضواء المنازل ... أنوار حمراء وخضراء رفافة ... هذه لشركة والأخرى إعلان ... عن يساري يقع مبنى ضخم ... مبنى التلفزيون ... كان يوما ما مخصصا لإحتضان الجامعة العربية أيّام القطيعة العربية مع مصر ... ثم بعودة العرب لها وعودتها لهم ... بقي مهجورا لسنوات حتى حوّلته تونس لمبنى التلفزيون ... بجانبه تقبع وزارة الخارجيّة ... إنقلبت تضاريس المكان فصارت خطواتي نزولا أسرع فأسرع لكن دون وجهة...
مفترق طرقات ... إشارات لا تشير لشيء ... فقط من يسكن تلك المنطقة يمكنه أن يفهمها ... ومن يسكنها لا يحتاج إشارات ... الفكر التونسي العبيط...
علامة إتجاه كبيرة تشير للمطار ... وضعت يدي في جيبي أداعب ورقة النقود ... نعم سأقطع تذكرة للذهاب للندن ويتبقى معي ما يمكنني من بدأ مشروع هناك...
إختلطت دموع اليأس بضحكات السخرية ... لكني لم أتوقف ... قدمي بدأت تؤلمني ... المكان الخالي أشعرني بالوحشة ... سيّارات تطير بجانبي تمنعني حتى التسلية في وجوه راكبيها ... قطعت الطريق بحثا عن حي سكني ... يمكنني من إفتراش أحد أرصفته بشكل من الآمان ...
كحالة بلدنا في فصل الخريف بدأت السماء تجود بخيرها .. تهاطل حمما عليا ... كنت أسعد دوما بهطول المطر لكن في هذا الظرف وفي هذا المكان ... بدأت ألعن حظي ... لم أجد مكانا ألجأ له ...
لا مفرّ من الجري ... الحقيقة سواء أن تجري أو أن تسير أو تقف ... لن تخطأك أسهم المطر ... لكني واصلت الجري ... إختلط الدمع بالمخاط مع سيل الماء المنهمر على رأسي ...
ما إن قفزت فوق الحاجز الحديدي للطريق السريعة مقتربا من إحدى العمارات أختبأ فيها ... حتى توقف المطر ... نظرت للسماء أعض شفتي السفلى ... كأني أهدد السماء بالإنتقام من تآمرها عليا ...
لم أتمالك نفسي من الضحك ساخرا من حظي العاثر ... خلعت قميصي أعصره علّه يجف قليلا ... حذائي الرياضي الفخم تحوّل لونه من الأبيض إلى البني بفعل الطين ... جواربي القصيرة صارت سوداء حتى إختفت ماركتها ... بنطالي الرياضي الرمادي إلتصق بلحمي حتى صار يخزني ...
أروع إستقبال تودعيني به يا قبلة الطامحين ... حتى فرصة النوم على رصيف صلب حرمت منها ... قطعت ذلك الشارع الهادئ ... الماء منحصرا بين قدمي والحذاء يصدر صوتا مع كل خطوة كالمكاء ... المكاء هو الصوت الذي يصدر عندما تنفخ بين راحتيك ... نسميه في تونس " تَعْفيط " ... وهي حركة سخرية من غيرك حينما يفشل في شيء ... تضع يدك مقابلا شفتيك وتُعَفّط عليه ونضحك لفشله...
أنا لم يكفيني تعفيط العالم من حولي ... حتى تطاردني السخرية كلما خطوت ... وجدت حديقة عمومية كبيرة مهملة أمامي ... خلتها ستكون ملجأي لهذه الليلة ... جلست على أحد المقاعد الإسمنتية ... خلعت حذائي أعصر جواربي...
بدأ الصقيع يقضم أظافري ... رجفة شديدة سرت في مفاصلي ... أغمضت عيني متخيّلا دفء سريري ... علّ الخيال يغالب مرارة الواقع ... صوت هزّ كياني ... بوم ناعقة تقف عند رأسي ... عيناها الصفراوان تراقبان حركاتي ... رقبتها تلف متابعة ما أفعل ...
أصلا أنا أتشائم منها ... أقرف من شكلها ويرعبني وجودها ... كل ذكريات خرفات الرعب التي روتها جدّتي في طفولتي تجسّدت أمامي .... بدأت مسامي جلدي تتحوّل لشوك جارح مع نعيقها .... جواربي في الحذاء وقميصي على كتفي ... ورحت أتسحّب هربا من الروح الشريرة التي تسكنها ... هكذا حدثتني جدتي يوما وجدتي لا تكذب...
قالت أن الجن تسكن فيها ... تنعق جالبة الخراب ... إبتعدت عنها قليلا ... لحقني صوتها المفزع ... رفعت رأسي رأيتها تحط على عمود بجانبي...
الأمر صار مؤكدّ الجن سينهي مغامرتي في هذا البلد الغريب ... حثثت الخطى علها ترحمني ... لكنها تصر على مطاردتي ... بدأت الصورة تتضح ... هي جلبتني لمصيدتها ... فكرة ترك القرية ... الملابس التي أرسلها لي حاتم إبن عمي من الخارج بعد طول خصام ... خاتم أمي الذي رهنته عند صلاح لأتمكّن من السفر ... كل التفاصيل تؤكّد أنها من تنسيق قوة عجيبة ...
هذا النحس الذي طاردني منذ قدومي ... ضياع ملابسي ... عينا ذلك الرجل صاحب الشاحنة تشبه عيني البوم ... لم يكن رجلا ... كان روحا ... كان جنيّا ... بدأت أحث الخطى مبتعدا عن الأشجار القليلة في الحديقة ...
كنت أتوقع ان تغرس مخالبها في رقبتي ... ساحة مظلمة وسط الحديقة لا شجر فيها ... هربت نحوها ... إن كان يجب أن تهاجمني فل تهاجمني في مكان مفتوح ... رجل لرجل ... وجها لوجه .... إستبسال الموت ... بدأت أسرع الخطى محاولا العودة لمكان مأهول ...
كتفيا تثقلان كل ما ولجت أكثر ... الأرض تحوّلت لطين زلق بفعل المطر ... قدمي تغوص فيها حتى الكعبين ... يد صلبة تقبض على قصبة رجلي ... توقفت لا إراديا ... كنت أستشعر ملمسها البارد يطبق على كاحلي ...
عجز لساني على نطق الشهادة ... حتى يدي عجزت عن رسم الصليب ولا رقبتي تحرّكت للخضوع على شريعة موسى ... توقّف الدم في عروقي سأموت كافرا ... أردت الفرار ... حاولت الجري لكنها كانت تمسكني ... الطين والرعب والبرد منعاني من الهرب ... تعثّرت قدمي ووقعت على وجهي أشرب من طين الأرض ... نظرت خلفي ... إن كنت سأموت فلأمت وعيني تنظر ...
يد قوية لا تزال تمسك بقدمي ... رجل عجوز يحاول الزحف نحوي ... آهات ألم تصدر من حلقه المتحشرج ... يريد أن يقول شيئا ... هل هو بشر أم البومة تجسّدت لي كذلك ...
رفعت جسدي الممرغ في الطين محاولا الوقوف ... كلمات قليلة تخرج من حلق الشيخ ... " أرجوك ساعدني ... بيتي ليس بعيدا من هنا " ... كنت أنتظر أن يترك قدمي لأنطلق هاربا ...
وقفت متأهبا للفرار عندما لحقتني كلماته " عاوني يرحم والديك " ... البوم أسلمت ... نعم القادر القدير قادر على كل شيء ... وضعت يدي بين إبطي الشيخ ساعدته في الوقوف ... بدأ ألمه يتحوّل لصراخ ... صراخ يؤكد انه كائن حي مصاب ...
جاهدت حتى خرجنا من بركة الطين تلك ... وصلنا حافة الطريق ... الشيخ مصرّ أن أجلب له كيسا وقع منه ... تركته جالسا على الحافة وعدت أبحث عن طلبه ... فرصة للهرب لا يخزني الضمير بعدها ... وجدت فردة حذائي التي كنت سأنساها...
كيس به بعض المعدّات ... تؤكّد انه سمكري ... لعنت الفقر الذي فرض على هذا الرجل العجوز العمل في مثل هذا السن وتلك الظروف ... عدت إليه ... حملته على ظهري ... لم يكن ثقيل الوزن لكني كنت منهكا ...
أنيني بدأ يصل أذنه ... كان يعتذر مني عما سببه لي ... يمينا وشمالا ... للأمام ... كنت أتّبع إشاراته ... شارع طويل في آخره دائرة تحيط بها عمارات ... ليست عمارات تقليدية ... ثلاث طوابق مزينة بالشرفات المدورة ...
كلها متشابهة ... وصلنا أمام باب إحداها ... باب بلوري سميك مغلق ... بجانبه لوحة إلكترونية عليها أرقام ... طلب مني الضغط على أرقام معيّنة ففتح الباب ... لقد عشت هذا المشهد يوما ...
أحد أفلام نادي السينما بالمعهد ... نفس التفاصيل عندما حطّت السفينة الفضائية ... دخلت الباب ... كنت متأكدا .... هي سفينة فضاء لا ريب ... أنوار خافتة عجيبة أنارت بمجرّد وصولنا ... رائحة المعقمات في كل مكان ... بعض النباتات موضوعة على أركان الفسحة المدوّرة ...
باب معدني تعلوه شاشة كتب عليها الرقم صفر ... تقدمت منه حسب طلب من يركبني ... ضغطت على زر به شكل معيّن مقلوب ... فتح الباب ... دخلت مترددا وقد جف الدم في عروقي ... حسب طلب الشيخ ضغطت على الرقم ثلاثة...
أغلق الباب وبدأت رحلت الرقي للسماء ... لقد طارت السفينة ... واحد ... إثنان ... ثلاثة ... رعبي من حركة الصعود أنساني ثقل حملي ... توقف التابوت المقدّس بعد رجة خفيفة وفتح الباب ... ممر عريض .. تلمع أرضيته المرمرية ... يتوسطه بابان ... ما إن خطونا خارج الصندوق وأغلق الباب حتى إشتعلت الأنوار من تلقاء نفسها ...
فمي فتح عن آخره ... المبنى فخم لدرجة أني عجزت عن تخيّل رابط واحد بين هذا الرجل وذلك العالم ... لا بد أنه يشتغل حارسا أو معينا في إحدى الشقتين ... بدأت السير بخطى مثقلة من الحمل في تفكيري ... الباب رقم 6 ... باب خشبي بني عريض ... عريض لدرجة لم أتقبّلها ...
دققت الجرس ... كنت أسمع خطوات قادمة نحوي ... أردت أن ألقي ذلك الرجل وأهرب ... غير أني لا أعرف طريق العودة ... فتح الباب لتطلّ منه سيدة تضع وشاحا على رأسها .... تلف وسطها بمنديل غسل الأواني ... الخادمة ... لا بدّ أنه زوجها...
نظرت لي متعجبة من وجود شيء على شاكلتي في ذلك العالم العجيب ... كلمات صارعت لكي تخرج من فمي " أصلي لقيت زوجك واقع على الأرض" ...
رفعت المرأة عينها ... إصفرّ وجهها ... لتتركني واقفا عند الباب صارخة ... " مادام فريال ... مادام فريال ... إلحقي سي توفيق"
سي توفيق ؟؟؟ هذا الشيء الذي أحمله إسمه السي توفيق ؟؟؟ هو إسم توفيق وحده يعتبر غريبا على شكله ناهيك لو ربط بالسيادة...
بدأت أكتشف ما يظهر لي من محتويات البيت ... أثاث فخم ... لم أتبينه بعد حتى هجمت عليا سيدة ... شعرها أحمر ... وجهها أبيض ناصع ... شفتاها حمراوان على شكل هلال ... تنقصه نجمة على أنفها ونرفع شعار الجمهورية....
هجومها أربكني وشكلها ولهفتها ... " توفيق خير ... مالك ؟؟؟ " ... لم تنتظر أن يجيبها زوجها ... هجمت عليا مرعوبة ... " عملت فيه إيه ؟؟؟ حصلو إيه ؟؟؟ " وكادت أن تنشب أظافرها في وجهي ...
لولا خشيتي أن يموت ذلك الرجل فأعدم بتهمة لم أرتكبها ... لألقيته من على ظهري وصفعت صفاقتها ... بصوت ثابت " أنا لقيته واقع على الأرض في الحديقة ... هو طلب مني أوصله هنا ... لو حتخدوه خدوه ..وإلا حأسييه وأمشي" ...
تراجعت حدة نظراتها نحوي ... أفسحت لي المجال للدخول ... كدت أنزلق من نعومة رخام الأرضية ... بدأت المرأة تقودني في الممر ... كنت أنظر للأرض خجلا وتعبا ... غرفة نوم تضاهي مساحتها ساحة مدرستنا ... سرير أبيض مدور يتوسطها...
حاولت وضع الرجل المصاب عليه ... جاهدت أن لا أزيد ألمه ... أجلسته بعناية ... أردت أن أرفع رجليه من على الأرض ... لعبة صوفية بنية على شكل كلب تقبع فوق السرير ... دفعتها بيدي لأفسح المجال له ... بدأت تعوي هاربة من حركتي ... ثم كثر نباحها ...
هو كلب حقيقي ... عالم عجيب بكل ما فيه ... كلب لا يتجاوز حجمه راحة يدي ... تذكّرت كلاب قريتنا ... يمكن أن يبتلعه أحدهم وهو يتثائب...
صوت مفزوع يصلني من داخل الغرفة ... السيدة تحدّث الطبيب ... تؤكد عليه سرعة القدوم ... الثاني كذلك ... ثم الثالث ... نعم ثلاث أطباء ... " سي توفيق متاع زبي هذا" شكله كمتسوّل ... إستنفرت وزارة الصحة لأجله...
كثرة الأثاث والديكور بالغرفة منعني من إكتشاف كل تفاصيلها ... لم يبالي بوجودي أحد ... إسورة ذهبية على طاولة السرير تغمزني أن أسرقها ... لن يهتم أحد ثم سأنسحب ... هممت بذلك لكني خفت ...
فريال الصهباء هذه لم تترك هاتفها ... لم يبقى سوى الرئيس ومبعوث السلام بليبيا لم يعلما بالحادث ... إنسحبت من الغرفة ... باب الشقة مفتوح ... أسرعت الخطى هربا من ثقل الغربة في هذا المكان ... فتاة حمراء صغيرة تقف مشدوهة وقد أفزعت الجلبة نومها ... رعبها من وجود أحد أهل الكهف أمامها منعها من الصراخ ... لم أفهم سبب نظرتها ...
وقفت أمام صندوق الزمن ... ضغطت على الزر ... فتح الباب بسرعة ... وقفت أمامه ... ترددت كثيرا في الدخول ... خفت أن أخطئ في شيء فأحبس داخله ... إنتظرني حتى ملّ الوقوف فأغلق أبوابه نحوي ...
إلتفت يمينا وشمالا ... إشارة خضراء عليها رسم رجل يجري ... " خروج النجدة " ... النجدة ... النجدة ... هكذا كانت تصرخ روحي مهرولا نحوه ... سرداب مظلم أنار إحتراما لهيبة قدومي ... سلالم طويلة نزلتها قفزا هربا ... وصلت الباب ... مغلق وعاند محاولاتي لفتحه ... يفتح بالرقم السري ... لا أعلم السر لكني تذكّرته ...
شممت هواء الحرية المنعش ... كدت أسجد على الأرض مقبلا إياها شكرا على السلامة ... الحي هادئ جدا ... ضوء خفيف يرمش بهدوء " مقهى الملوك 24/24" ... نعم أنهم الملوك ... لا شك في ذلك .... من يسكن هذا المكان لا يكون سوى ملكا...
تقدّمت منه ... مكان مفتوح ... فيه بشر ... لا يهم إن كانوا من سكان المكوكات الفضائية المهم أن أشعر بالأمان حتى نهاية هذه الليلة ... ومع أوّل ضوء سأرحل ... غابتي ..والأغنام ... الحياة في قرية أبسط بكثير ... لا تجوع فيها ولا تظمئ... لا خوف عليا ولا يحزنون ...
إقتربت من الباب ... جرّتان كبيرتان عن يمين ويسار الباب ... جلست القرفصاء بجانب أحدهما ... مغص بدأ يقطع أمعائي ... نعم هذا ما ينقص لتختم آلام هذه الليلة ... الأكل من القمامة ... العصير الفاسد ... الرعب ... الصقيع في القدمين ... كلها إجتمعت لتستخرج من بطني إسهالا يستحيل تأجيل نتيجته...
لم أجد من بد سوى المقامرة ودخول المقهى ... دفعت الباب الذي رسمت عليه كلمت ... إدفع ... لم ينتبه أحد لدخولي ... بضعة شباب يتابعون مقابلة كرة قدم في الطرف الآخر من العالم ...
بابان أحدهم عليه رسم رجل والآخر امرأة ... هو الحمام لا ريب ... دفعت باب الرجال ... الأنوار في هذه البقة من المجرّة كلها تعترف بقيمتي ...تنير لمجرّد قدومي ... الحمام من كثرة أناقته وفخامته إستحيت أن أقضي حاجتي فيه...
لكن الطبيعة هزمتني ... ذهب الألم وشفيت وعوفيت ... كنت انوي الخروج متسللا كدخولي ... منظر مرعب في المرآة ... خنزير خرج من حصة تمرّغ في الطّين ... لست أنا حتما ... هي صورة إشهارية عن مضار شرب مياه المستنقعات لا شك...
حرّكت يدي .. قفزت ... إنه أنا للأسف ... إقتربت من الحوض ... الماء كما النور .. يقدّر وجودي ... الحنفية تعمل من تلقاء نفسها ... غسلت يدي ... تحوّل لون الحوض للأصفر ... الصابون متوفّر ... تخلّصت من الطين على وجهي الماء الساخن شجعني بعث الروح في أوصالي ...
بجانب الباب ... صندوق معدني كبير ... أثارني سبب وجوده ... كنت سأخرج لكن رغبتي في إكتشافه جذبتني ... مررت يدي فوقه بجانبه ... ما إن وضعت يدي تحته حتى نفخ .. أرعبتني الحركة المفاجأة ... هواء حار لفح يدي...
فكرة لا تخطر على بال الجن الساكن في البومة نفسها ... خلعت ثيابي ... غسلتها في الحوض ... الماء موجود والصالون متوفر بكثرة .... ثم إستعملت المجفف لتجفيفها ... معتزا بذكائي ... لا أعلم كم إستهلك تخفيف حذائي من جهد ذلك الجهاز .... أفرغت حاوية المناديل ... ملأتها بالماء الساخن وإستحممت ... أصلا رحت أفرك لحمي مستخرجا الوسخ خيوطا وكورا ...
تأكدت قبل خروجي أني لم أسبب ضررا لأحد ... كل شيء عاد كما كان ... فتحت الباب برفق .. متأهبا للتسلل ... الكل مركز مع المقابلة ... كافيه لا عمّال فيه ... نصف خطوة تفصلني عن الباب وأهرب ... سأنعم بدفئ ونظافة نسيتها...
ما إن وضعت يدي على الباب ... حتى قابلتني مجموعة من الشباب من الجنسين ... هم داخلون وأنا خارج ... جلبتهم وضوضائهم سحبت نظر النادل الذي تقدّم مستقبلا الركب ببشاشة ...
وجودهم منعني من الخروج كما أن آثار البلل على ملابسهم تأكّد أن المطر سيعاود حملته على رأسي ثانية ... ترددت في الخروج ... النادل لم يفهم أين كنت ... إعتقد أني وافد مع الوافدين ... فتبعتهم حسب أمره ... يعني مالذي يمكن أن يحدث ؟؟؟؟
ملابسي نظيفة وشكلي مقبول ... وسني ليس بعيدا عن سنّهم ... تحلّق الجمع حول طاولة ... فجلست قربهم ... النادل يشير من وراء المصرف ... " قهوة الأولاد كي العادة " ... إشارات بالموافقة من الجميع ...
حشرت رأسي بين كتفي خوفا أن يكتشفني ... رحت أتابع التلفاز كأني أفهم ما يجري ... أذني تلتقط دبيب النمل ... عينا ذالك الشاب لم تخطأ وجودي ... تقدّم مني مسرعا كأنه يطارد هدفا كاد يفلت منه ...
وقف يسألني عن طلبي ... وضع أمامي ورقة عليها عدة رسوم .... تحسست تلك الورقة النقدية الندية في جيبي كأني أودعها ... أملي الأخير في العودة لقريتي ذهب قربانا لكرامتي ... نظرت على الطاولة ... المشروبات .... سعر القهوة 1.5 دينار ... الحلويات تتراوح بين 1 و 5 ... الأسعار تبدو مقبولة...
عملا بالمثل التونسي الشهير " إلي مات على شبعة لا قام " ... نقص مليم واحد من ثمن التذكرة سيحرمني حق العودة ... إذن فلتكن نهاية مميزة لهذه الليلة العجيبة ... طلبت منه قهوة كبيرة بالحليب ... وقطعتي كيك بالشكولاطة ... وعلبة سجائر ...
نعم ... سأنفق كما ينفقون ... أكلت وشربت ودخّنت ... بل صرت أصفّق وأتقهر وأتابع مقابلة كرة القدم ... نعم هم ليسو أحسن مني...
شبعت بطني ... أجّلت التفكير في مصيري ... جلت بنظري في صفوف الحاضرين ... ملابس فخمة رغم كونها عجيبة ... سراويل ممزقة ... بنات تدخن الشيشة ... فتيان أهملوا قص شعرهم .... أعمارهم لا تتجاوز الثامنة عشر لو أسرفت في التقدير...
الساعة الثانية ونصف فجرا ... ماذا يفعلون ؟؟؟ ... أكيد أنهم تسللو خلسة من بيوتهم ... قرب المقهى من المباني ... جعله وكرا لهم ... مجموعات مجموعات يتحلّقون حول طاولات ... النادل يعرفهم بالإسم ويبدو أنهم متآلفون معه ... فكّرت بسؤال النادل إن كان بإمكانه إيجاد عمل لي ؟؟؟
ماذا سأعمل هنا ؟؟؟ وأين هنا هذه ؟؟؟ لا الناس تشبه الناس ولا المباني تشبه المباني ؟؟ لولا الكلام الذي يشبه لهجتنا لتيقنت أني خرجت من القارة أصلا ... طبقة غنية ثرية حاكمة متحكمة نأت بنفسها وذويها عن الخراء المنتشر في البلاد ...
سأذكر هذه الليلة ... ربما ستكون إحدى نوادري عندما أكبر وأصبح بعمر صلاح ... سأرويها للشباب وسيعجبون بي .. تستحق ما أنفت فيها...
إنتهت المقابلة ... خرج الجميع ... بقيت أنا والنادل وشاب آخر ... صوت المطر يؤجل مغادرتنا ... آذان الفجر يؤكد لي أني لم أهاجر ولم أترك أرض الوطن ... على أقل تقدير في المحيط المغاربي ... عيني مركّزة على التلفاز أداعب سيجارة لم أشعلها ...
رفعت عيني فرأيت ذلك الشاب ينظر نحوي ... كأنه يتابعني ... خفت منه ؟؟ لا أدري لماذا شعوري بالنقص أمامهم يحرجني ... أشحت بنظري ... لكني كنت اشعر بعينيه تراقباني ... وإن يكن ... كما قال عادل إمام إن كنت أملك ثمن ما أستهلك فليسو خيرا مني ...
نظرت في عينه مباشرة فكأنما غمزت صنارته ... وضع إصبعيه حول شفتيه يطلب سيجارة ... إنكساره أمامي جعل قلبي يرقص طربا ... أشرت برأسي بالموافقة ... حمل فنجان قهوته وإقترب مني مبتسما على حياء ... النادل رسم بسمة سخرية على وجهه...
جلس قبالتي ... مددت له السيجارة ... أشعلها ... تبسم لي وقال " يرحم والديك " ... إسمه يوسف ... يدرس بالجامعة لكنه لا يريد المواصلة ... جسمه نحيل جدا ... أصابعه ترتعش ... يسكن هنا ... له أختان واحدة أكبر والثانية أصغر...
إن كنت أطلقت العنان لشهوتي في الإنفاق ... فلن أكبح جماح كذبي ... رحت أروي خرافات عن حياتي وسبب قدومي لهذا المكان ... أصلا أنا لم أصدّق نفسي لكنه صدّقني ...
بدأ النور يطغى على الكون ... حركة بعض السيّارات تنطلق ... تقدّم منا النادل يطالب بحقه ... مددت له الورقة النقدية ... نظر في عيني يوسف ... " دجو ؟؟؟ كيف العادة ؟؟؟ حسابك ثقل برشة ؟؟؟ " ....
ورطتي بالكذب وإنكسار عيني دجو ... جعلتني أطلب من النادل أن يأخذ ثمن قهوته أيظا... هي تناكت تناكت ... أقل شيء أترك إنطباعا في ذاكرة هذا الشاب ... أعاد لي بضع قطع نقدية ... تغيّر وجهه لما أخذتها منه ...
وخرجت ... كنت أخطط لشراء بعض الخبز و الجبن وقارورة ماء والعودة على قدمي للقرية ... 170 كلم لا غير ... ثلاث أيّام سيرا...
فقط سؤال واحد أطرحه ؟؟؟ أين أنا ؟؟؟ ... من أين أذهب إلى أين ؟؟؟ ... لحقني دجو يشكر كرمي معه .. أردت أن أسأله ؟؟؟ ... لكني خجلت ... قطعنا الشارع ... نافورة هامدة ملأ المطر حوضها ...
ودعني عندها وإنصرف داخلا لإحدى العمارات ... مررت من أمام العمارة التي يسكنها سي توفيق ... وقفت أنظر لشرفاتها المدورة أودع ليلة ستؤثث ذاكرتي لسنين ... صفّارة سيّارة إسعاف تهز المكان وتربك حركاتي ...
تسبقها سيّارة أخرى تبدو غالية جدا ... نزلت مدام فريال منها على عجل .. وجهها أصفر والحزن يبدو على محيّاها .... وإلتحقت بالمسعفين اللذان فتحا الباب الخلفي للعربة ... سي توفيق مات ...
أردت أن ألقي نظرة الوداع على من كان سببا في أحداث هذه الليلة ... سرير طبي كامل ... إقتربت منه غير آبه ... سمعت صوت أحد المسعفين ... " لاباس سي توفيق ما تخافش " ... لم يمت ...
نظرت في عينيه ... لا أدري كيف نطقت متسائلا " سي توفيق لاباس ؟؟؟ " ... نظر في عيني مستغربا ... وأمسك يدي ... كان المسعفان يدفعان عجلات السرير وهو ييسحبني ... نفس قوّة الضغط على قدمي ... ليلة أمس...
دخلنا العمارة ... باب المصعد ... الطابق الثالث ... باب الشقة ... الممر ... غرفة النوم ... حتى وصلنا لسريره لم يترك يدي ... جرّني معه عنوة وسط دهشة مدام فريال ... إنسحب المسعفان ... بقيت أنا وهو والمدام ... لم يترك يدي رغم إغلاق عينيه ...
كل ما حاولت سحب يدي منه ... نطق جهاز يطن عند رأسه ... حركة من يد فريال تمنعني من تكرار المحاولة ... سحبت كرسيا وأجلستني عليه ... كنت أنظر لمظهر هذا الشيخ ؟؟؟
سي توفيق ؟؟؟ هل يعقل ؟؟؟ شكله لا يتطابق مع المكان ولا مع سكانه ؟؟؟ مثلي تماما ؟؟؟ خرجت فريال تحدّث الخادمة ... وجهه بدا مألوفا ... ربما هو مجرّد شعور بالرحمة نحوه ... بدأ ضغط أصابعه يخف عن معصمي ... تسللت يدي بحذر ... إنتظرت قليلا أراقب الجهاز عله يطن ثانية ... على أطراف أصابعي خرجت أتسلل...
رغم حذري فقد سحبت خطواتي مدام فريال لتقابلني في الممر ... أصابعها وعيناها تسألني عما حدث ... وضعت كفي تحت خدي مشيرا أنه نام ... أبشر وجهها لكنها دخلت لتتأكد من صحة كلامي ... بدأت أسرع الخطى نحو الباب...
قبل وصول يدي لمقبضه لحقني صوت صارم رغم همسه " وين ماشي ؟؟ " ... تسمرت مكاني ... كدت أن أرفع يدي للأعلى مستسلما ... ركبي إضطربت ... نظرت خلفي ... مدام فرال تحث الخطى نحوي ...
إنت رايح فين ؟؟؟
ماشي
ماشي رايح فين ؟؟
(أنا نفسي لا أعرف إجابة لسؤالها) مروّح ...
معلش مش حأقدر أسيبك تروّح ؟؟؟
(لم أفهم معنى كلامها) ليه يا مدام هو أنا عملت إيه ؟؟؟
مش الموضوع ... ما أقدرش أسيبك غير لما يفيق سي توفيق
(سي توفيق متاع زبي) .. ليه ؟؟؟
قلتلك مش حأقدر وخلاص ... لما يفيق ويقلكّ روح تروح
لكن ...
ما لكنش
لهجتها الصارمة ألجمتني ... كما أن سحر المكان وهذا العالم سحبني ... دعتني لأتبعها ... دخلت المطبخ ودخلت ورائها ... أشارت للخادمة أن تقدّم لي شيئا ريثما تعود ... سحبت كرسيا وجلست أنتظر ما ستجود به الخادمة الصامتة....
يبدو أن وجودي أزعجها ... أو ربما إحتقرت هيئتي ... وضعت أمامي بكل صفاقة طبق به بعض البسكويت وكأس به مشروب ساخن ... لم تمتد يدي نحوه حتى دخلت سيدة المنزل ... شعرها الأحمر الناعم يتدلى فوق كتفيها ... مكياج أسود خفيف يغطي أثر السهاد في عينيها ... وجهها عاد لإشراقة يوم أمس ... خدودها توردت قليلا ... شفتاه الحمراوتان ترسمان إبتسامة خفيفة ... رقبتها الطويلة يزينها عقد من المرجان الأحمر...
منعني الحرج وجلوسها أن أتملى في باقي جسدها ... كانت تركز مع حركاتي ... نظرات عينيها جعلتني أتجمّد ... خشيت أن اخطأ حركة فتجعلني محطّا للسخرية في هذا العالم ...
كل شيء في هذا العالم غريب ... المباني ... الأثاث ... الديكورات ... حتى السكّان ليسو مثلنا ... ربما أنا لست مثلهم ...
أحست المدام بالثقل على صدري ... ربما برز ذلك على وجهي دون أن أعلم ... تبسمّت شفتاها ربما لتشعرني ببعض الألفة ...
إنت ما شربتش الشاي بتاعك ...
(نظرت للكأس متعجبا ... هل هو شاي ... أين منه من الشاي في القرية بقوة تسعين حصانا ... كل شيء هنا غريب) ... حاظر حأشرب
ما قلتليش حضرتك تبقى مين ؟؟؟
حضرتك أنا إسمي منذر ؟؟
تشرفنا يا سي منذر .. أنا فريال مرات سي توفيق (صدمت لما علمت أنها زوجته كنت أعتقد أنها إبنته) ... ودي حبيبة .. بتشتغل معانا وزي أختي ( لم تلتفت حبيبة حتى للتحية ... أعجبني قول تعمل معنا ... لم تقل تعمل عندنا)
تشرفنا يا هانم ...
عمرك كام سنة ؟؟؟
قريب حأعمل عشرين سنة
(فتحت عينيها مندهشة ... ) طيب ما قلتليش إنت تعرف سي توفيق منين ؟؟؟
الحقيقة يا هانم أنا ما أعرفوش ... كنت معدي بالصدفة ولقيته واقع على الأرض ... فكان واجب إني أساعده ...
هو حضرتك إلي جبتو إمبارح ... (فتحت عينيها دهشة تتطلّع في شكلي بوضوح)
أيوة يا هانم ؟؟؟؟
(لم تتمالك نفسها عن الضحك ... فعلا شكلي ليلة أمس يدفع للسخرية) ... تصدق ما عرفتكش ...
ماهو الطين ... والمطر ... دي كانت ليلة ...
إحكيلي ...
كرامتي تدفعني للكذب عليها ... لكني قلت الصدق ... بدأت أروي لها تفاصيل رحلتي منذ قدومي ... وكيف لم أجد عملا ... وكيف أضعت أموالي ... ثم حكاية الحقيبة ... والمطر ... والبومة ... وسي توفيق متاع زبي هذا ... والطين ... والكافيه...
كانت تضع يديها على فمها ... تحبس صوت ضحكها من طرافة كلامي وأنا أروي كيف إستحممت في دورة المياه ... وكيف إكتشفت ذلك الصندوق الذي نشّفت تحته ملابسي .... عيناها الناعستان تقطران نعومة ودموعا سببتها الكحة من كثرة الضحك ... حتى حبيبة الكئيبة دخلت معنا في الجو ...
إحساسي أن أجدت الحديث جعلني ألعب دور المهرّج ... سألتني عن أهلي وقريتي ... تأثّرت لما علمت أني يتيم وفقير معدم ... بدأت يدي تتحسس الطبق ... قطعة بسكويت غمستها في الشاي جعلت فريال تسقط أرضا من على الكرسي من كثرة الضحك .قبل وصول القضمة لفمي ....
حركة غبية جعلتني أغرق في الحرج ... حرج لم أستطع كتمه ... أحست المدام بما يعتريني ... عدّلت جلستها وأصابعها تمسح الدمع عن أطراف عينيها...
يخرب عقلك إنت مشكلة ...
هي المشاكل مش حابة تسيبني ... (أحسست أني إن واصلت ستتحوّل الطرافة لسخرية) ... هو سي توفيق عنده إيه ؟؟؟ ... أتمنى يكون بخير
(رفعت حاجبيها للأعلى كأنها تتمنى مثلي) ... كسر في الحوض ... وداه موضوع مش سهل خصوصا في السن داه وإنت عندو السكّر والقلب والضغط...
كنت أستمع لكلام بالفرنسية عن أنواع الأمراض ... رحت أسايرها برأسي كي لا تكتشف جهلي ... تذكّرت أستاذة الفرنسية بالمعهد ... كانت تكرهني دونا عن الخلق بلا سبب ... هي لا تهتم إلا بقلّة من التلاميذ ... ليست الوحيدة ... كل الأساتذة هكذا ...
فصل فيه واحد وأربعون تلميذا ... منذ إلتحاقهم بمقاعد المدرسة ... تعرف مستقبلهم من مهنة ذويهم ... من سيفشل معروف ومن سيواصل أيضا ... ومن عاند مصيره سينسحب من وسط الطريق ...
مجانية التعليم ... أكبر كذبة روج وهمها للشعب ... التعليم كما هو في عهد الحسينيين ... لأبناء الأغنياء فقط ... سينجحون غصبا عن الكل ... وأبناء الفقراء ربما يفلت أحدهم من كمّاشة الفشل ... لكنه لن ينجح ... حتى وإن توج بشهادة وعمل .... فهو لن ينجح
كيف كنت سأنجح ... أربعة آلاف متر بين الجبال أقطعها يوميا حافي القدمين للوصول للمدرسة ... جهاد لا يتحمّله أعتا الرجال ... أصلا وصولي للثانوي إعتبرته معلمتي إنجازا ...
الثانوي ؟؟؟ ... مرارة ذكرياته تخنقني ... جائع في بطني ... أنتظر ما يجود به مطبخ مبيت المعهد ... برد وغربة ووحشة في الليل ... زده ما يفعله القيمون فينا ... من يستسلم لدعوتهم الليلية ينال كل رعاية ... ومن يرفض .... لا علينا...
لقد درست في أشرس فرق أمن الدولة ... وهذه الصهباء تريدني أن أفهم كلامها بالفرنسية ...
أغلب الحصص قضيتها في آخر الفصل أقف على رجل كالبجعة ووجهي للحائط ... ثم تلومني الأستاذة على نيل أضعف الدرجات ... عدالة السماء ستنتقم لي ... ربما إنتقمت
كانت صورة فريال الجميلة تتحرّك أمامي وصور أخرى من الماضي القريب تشوش البث في عقلي ... طنين الجهاز سحب فريال وحبية جريا نحو غرفة النوم ... لحقتهما بخطى مثقلة ... هل أفاق سي زبي هذا وأطلق سراحي ...
كانت فريال تمسك يده بحنان شديد ... تربت على كتفه بحركات خفيفة ... حبيبة تعدّل وضعية نومه خوفا أن تنفلت إحدى الآلات المعلّقة في كل جزء من جسده ... عيناه الزرقاوان ترمقاني بتملي ثابت ... حرّك يده اليسرى بصعوبة ... رفعها للأعلى وحاول جاهدا تحريك أصابعه ...
فريال وحبيبة تنظران نحوي ... فهمت أنّه يريدني أن أقترب ... إقتربت منه ... أمسك يدي يتحسسها ... جلده شبه بارد كبرودة الموت ... لكن أصابعه قوية ضغط على معصمي ثانية ... وأغمض عينيه ... طنين الجهاز بدأ يخف...
أعتقد أن نبضي يؤثّر على الجهاز ... هكذا قال صلاح يوما وهو يمرر يده على لاقط مذياعه ... فتتحسّن جودة الصوت ... كنت أظن هذا سحرا ... صلاح المبارك دمه إيجابي ... كل البشر يمكنهم فعل ذلك .. مادامت نوعية دمهم إيجابية ... الجهل مرتع للدجل ...
تسللت فريال من جانبه ... تفتح درج في الحائط ... ما خلته حائطا إتضح أنه خزانة ... كيف لي أن أعرف وجدتي كانت تضع ملابسها في صندوق خشبي ... وملابسي فوقه...
خرجت فريال وتبعتها حبيبة وتركتاني حبيس قبضة هذا الشيخ المسكين ... رغم كونه مصابا فإني لم أسامحه على ما تسبب لي به ... بدأت الآلة تهدأ ونفسه ينتظم ... فتح عينيه ... لا أعلم كم لبث يتطلّع في وجهي ... حتى عيني تعبت من متابعته...
بدأت شفتاه تتحرّك ... لم يصلني صوت لكنني كنت متأكّدا أنه يتكلّم ... حاولت فهم ما يقول ... صعب عليا ذلك ... رحت أتابع حركة شفتيه ... لم أفهم ... قرّبت أذني منه ... خلت أنه سيطلق سراحي ... كلمة من قاضي تنفيذ العقوبات هذا وأكون خارج أسوار هذا العالم العجيب ...
جاهدت كي تلتصق أذني بشفته ... وقفت على رجل وسويت الأخرى ويدي على حرف السرير الطبي ... خشيت أن أتسبب في مصيبة لتلك الآلات ... كالواقف على حبل غسيل أوازي نفسي ... ألم في جنبي بسبب شد عضلي في بطني ... رجلي بدأت تنمّل...
إقتربت أذني من فمه ... لكنه صمت ... بعد كل هذا الجهد ؟؟؟ ... رجعت لمجلسي ... فعاود الكلام ... نفس العملية تكررّت ... كلما إقتربت منه بعد مجهود بهلواني يصمت ... أنهكتني المحاولات ...
أخيرا نطق ... " ي.." ... " ر" ... ثم يصمت يلتقط انفاسه ... " ير" ... ير ماذا ؟؟؟ يرحل ؟؟؟ يريد ؟؟؟؟ ... بعد جهد مضني وأنا على وضعية الصلب المعكوس تلك ... نطق
" يرحم والديك " وأغمض عينيه ... يلعن والديك على والدين إلي جابوك ... أكثر من الساعة أجاهد أن أفهم ما يقول ... رحمة لوالدي....
لا أحد من أبناء آدم جمع رحمات لوالديه مثلي ... كل من يريد شحن كمية من التبن يناديني ... ثم ينقدني أجرا جزيلا ... يرحم والديك ... كل عمليات صب الخرسانة بقريتنا شاركت فيها رحمة للوالدين ... بذرت الحبوب ... جمعت التين الشوكي ... رعيت الأغنام للجميع ... نقلت الماء من البئر للبيوت ... ضاعت حقيبة ملابسي...
رحمة للوالدين ... أعتقد أني أبي يرفرف بجناحين بين قصور جناته ... جلست على الكرسي ورفعت رأسي للأعلى ... " إتنعّم إنت فوق ... وأنا بأشتغل عليك من تحت " ... هذا واجب الإبن البار ... أنا لا أعرف أبي أصلا ... قالوا أنه توفي قبل مولدي بأيّام ... وقع عليه بئر قديم في منطقة الآثار ... كان يحفره متوهما وجود كنز به ...
حتى أمي لا أذكرها ... جدتي قالت أنها توفيت وعمري سنتان ... ثم لحقتهم جدتي قبل بلوغي العاشرة ... وعشت أصارع وحدي ... حقيقة لم أصارع ... بإستثناء عذاب الذهاب للدراسة فحياتي كانت بسيطة لا عذاب فيها ...
من ضاقت ملابسه عليه يتبرّع لي بها ... الخبز والطعام ليسا بالمعضلة ... الغابة تجود أحينا بغلال تكون طعامي ... الأطفال تتقاسم معي الحلوى التي كنا نتسابق للحصول عليها من شاحنة تأتي أسبوعيا تزود القرية بما يلزمها....
إستسلم سي زبي هذا للنوم ... نظرت في ديكور غرفة النوم ... سرير مدوّر يملأ نصف الغرفة ... خشب صلب ... يبدو ثمينا ... الخزانة تحيط الغرفة من ثلاث جهات تغطي كل جدرانها ...
صورة كبيرة معلّقة ... مدام فريال وسي توفيق ... صورة الزفاف ... تقف أمامهما تلك البنت الصغيرة ... عجبا ... أول مرّة أشاهد طفلا حضر زفاف أبويه ... لم أفكّر كثيرا ... أطلقت أصابعه معصمي ...
تسللت بعد أن تأكدّت من نومه ... البيت هادئ لا حركة فيه ... تسللت بخطى بطيئة نحو الباب ... ما إن وضعت يدي على القفل ... حتى لحقني صوت حانق ... " فين ماشي ؟؟؟ " .... مسلسل prison break هذا لن ينتهي ... لن أفلت من مركز إيقافي ...
حبيبة تتمطى طاردت كسل قيلولة ... لباسها الأبيض تسلّق رجليها للأعلى ... بياض جلدها يضاهي بياض لباسها ... قالت وهي تفك مشبكا تعدّل شكل شعرها المنكوش...
إنت رايح فين ؟؟
مروّح ...
مروّح فين ؟؟؟
(لم أجد الإجابة ثانية) خارج ...
(هزّت رأسها بالنفي) إستنى لما تيجي مدام فريال ... ما تجيبليش الكلام...
(أنتظر فريال أن تعود ... وفريال تنتظر توفيق أن يفيق ) طيب أروح أشتري حاجة وأرجع
(هزّت رأسها بالنفي ثانية) حتشتري إيه ؟؟
لا أبدا أصلي جعت ... حآكل حاجة وأرجع ... أوعدك...
هزت رأسها وأمرتني أن أتبعها للمطبخ ... دخلت ورائها ... فتحت بابا كنت أظنه باب خروج ... لكن إتضح أنه ثلاجة ... ألوان طعام كثيرة تقف داخله بشموخ ... سحبت طبقين لم أفهم ما فيهما ...
فتحت صندوقا آخر ووضعت فيهما ... بدأت رائحة الطعام تداعب أنفي متسللة من باب ذلك الصندوق ... أنا في الفضاء لا ريب ... كل شيء بالأزرار ... أين النار والحطب ... الأغنياء عندنا يطبخون بالغاز ... والأقل فقرا بالبترول ... لكن نطبخ في الصناديق هذه أعجوبة لو شهدها صلاح سيمضي تسع سنين يتحدث عنها والجمع مشدوهون...
وضعت أمامي طبقا فيه بعض الزيتون ... هريسة فلفل ... شيء أبيض لا هو بالزبدة ولا بالجبن ... ثم طبق فيه خبز مدور لا يتجاوز حجمه أصابعي ... ثم لحقتني بطبقين ...
الأوّل فيه شيء مستدير يشبه اللحم يسبح في ماء أحمر ... لم أفهم شكله حتى أستوعب إسمه الذي قالته .... والثاني فيه بطاطا مهروسة وبقدونس وفلفل ... نسميه التسطيرة أو الكفتاجي ...
وقفت طويلا أنظر لأطباق الأكل ... أريد العودة للديار ... حتى الأكل هنا عجيب ... مددت يدي وقطعت قطعة خبز ... الخبز يعتبر لقمة واحدة بالنسبة لخبزنا...
غمست بحذر ... في كل الأطباق معا ... بدأ لساني يستسيغ الطعم بوجل ... نزول أوّل لقمة في حلقي جعل أهل جهنّم ببطني يتسلقون حلقي طلبا للمزيد ... رغم غرابة الشكل لكن الطعم لذيذ ... لم يتبقى سوى الأطباق لإلتهامها...
حبيبة تنظر لي بتعجّب شديد ... وضعت كأس شاي أمامي وإنسحبت ... ثقلت عيني ... قلّة النوم وثقل بطني دفعا أجفاني للنعاس ... صوت مفتاح يدور عند الباب يؤكّد أن حبسي سيطول ...
ألصقت ثلاث كراسي ببعض وإستخدمتها كفراش ... فراش يعتبر وثيرا لمن تعوّد النوم على الرصيف ... غريب أمر هذا البيت كأنك تعيش في عالم منفرد ... لا منبهات سيّارات ... لا ضجيج ... لا ضوضاء من أي نوع ... هدوء النوم في جبل قريتنا ... لا أحينا صوت حفيف الأعشاب أو طير يصل سمعك عندما تتوسد الأرض...
أطعمت من جوعي وآمنت من خوفي ... فنمت ... سبات ... غيبوبة ... راحة عجيبة في بيت غريب ... أنا أصلا غريب عن كل شيء ... لم أشعر أني أنتمي للعاصمة منذ قدومي ... ولم تنتمي قريتي لي منذ ولدت ...
حلم جميل رأيت فيه جدتي الحنونة ... تهدهدني ... تحضنني ... شباب فاشل يحن لطفولة معذّبة ... يدها الناعمة تهز كتفي بخجل ... صوتها صار عذبا لما ماتت ... الموت يعيدنا لأصلنا ... يجردنا مما حصّلناه في دنيانا...
فتحت عيني ... جدتي تحوّلت لحورية في الجنة ... أغمضت عيني مستنكرا ذلك ... جدتي تدخّن ... تشم النفّة ... أعتقد أنها لم تركع يوما ... ربما هي حسنات تربيتها لي من جعلها تتمتع بتلك المكانة المرموقة في النعيم ... تحوّل تربيتها على كتفي لهزّات شبه عنيفة ... صوتها يعلو شيئا فشيئا...
جاهدت نعاسي ... فتحت عيني ثانية ... خصلات من الشعر الأحمر تدلى على كتفها الأبيض الجميل ... لا تشبه جدتي أبدا ...
مدام فريال ؟؟؟ أين أنا ؟؟؟ ... تبسمت السيدة المحترمة خجلا أو كانت تكبت ضحكة سخرية مني ... قفزت من مخدعي مرعوبا ... ماذا أفعل هنا ؟؟ ... تراجعت المدام للخلف ... وقفت أنظر للأرض ثم للسقف ...
منذر ... الساعة عشرة ؟؟؟
ياه الوقت إتأخر ؟؟؟ (لم انتبه أني نمت كلّ تلك الساعات) ...
لازم تروّح .. عشان داه وقت نوم ؟؟؟
أروّح ؟؟؟
أيوة روح نام ؟؟؟ وتعالى الصبح ؟؟ لعل سي توفيق يكون فاق ؟؟؟
أروح وأرجع الصبح ؟؟؟؟ أروح على فين وأجي إزاي ؟؟؟
أوف نسيت إنك مالكش مكان تنام فيه ؟؟
(أحسست بالحرج يخنقني) مش مشكلة يا مدام حأتصرّف
كنت أنوي الإنصراف ... مجرّد الإذن بالمغادرة يكفيني ... سأنطلق جريا ولن أتوقّف حتى وصولي للقرية ... لكن المدام كان لها رأي آخر ... نادت على حبيبة وهمست في أذنها ... بدأ هذا الإختطاف الإختياري يزعجني ...
فتحت حبيبة باب الشقة وأمرتني بإتباعها ... توجهت نحو المصعد ... ثم نحو خروج النجدة ... أخيرا ... كنت أهم بالنزول ... لكن حبيبة وضعت رجلها في المدرج للأعلى ... صعدت درجتين ... كنت مصدوما لما يحصل ... لم أنتبه أن فخذيها العاريين زادا عريهما بفعل صعودها ...
كنت أتمطى خلفها ... أضع يدي وراء رقبتي أمطط عضلات ظهري التي تضررت من النوم على الكراسي ... لم أنتبه أن بقية إنتصاب نومي لا تزال بارزة تحت بنطلوني...
لم أنتبه إلا ونظراتها تطبق على رقبتي تريد خنقي ... آشارت بيدها تأمرني بإتباعها ... صعدت تلك الدرجات القليلة مطأطأ الرأس كأسير حرب لم تنطلق رصاصته فيها بعد ... ستتهمني حبيبة بقلّة الأدب ...
شعور بالخزي يخز صدري ... هي حركة عفوية ... لم أقصد ذلك ... هو حظي النحس من صوّرني بتلك الصورة ...
صعدنا لسطح العمارة ... فتحت حبيبة غرفة صغيرة على السطح ... أشعلت النور وتركتني هناك دون كلمة ...
دخلت الغرفة ... كراتين كثيرة مكدّسة بها ... سرير يئن من ثقل أكياس وضعت عليه ... باب صغير في طرفها ... يفتح على حمام صغير ... رغم إهمالها فإن هذه الغرفة تبدو فخمة ...
المهملات الملقاة بها جعلتها تضيق بحركتي ... تركتها ... قررت نزول السلّم والهرب ... لكني تراجعت ... أين سأذهب في هذا الليل ... سأؤجّل هربي ... سأنتظر أشعّة الشمس الأولى ...
بدأت أجيل النظر في الأفق ... وضعت مرفقي على حافة سور السطح وتاه نظري ... عمارات متراصفة بدقّة ... تتساوى في الإرتفاع ... تشّكل دائرة ... تتوسطها حديقة بها تلك النافورة المعطلة ... النافورة تشكل محور لأربع طرق متقاطعة تشق الحي في الإتجاهات الأربعة ...
هذه العمارة تتوسط هذا المركّب السكني ... لا يحتاج الأمر لفطنة حتى تكتشف أن سكّانه هم علية القوم ... هدوء السطح والطقس الهادئ فسحا لي المجال في التفكير ... تفكيري البسيط ...
فتّشت في جيبي ... علبة سجائري قاربت على النفاذ ... أشعلت سيجارة وبدأت أنفث توتري في دخانها ... صوت خطوات خفيفة تجرح صمت المكان رفعت رأسي ... في الجهة المقابلة ... فتاتان أو سيدتان تتسللان من باب العمارة...
لم أتبين وجوههما ... لكني فخذيهما يطلان من تحت ملابسهما القصيرة ... الأكيد أن أمرا جللا جعلهما يخرجان هكذا بملابس النوم ... يسيران ملاصقين للحائط ... خطوات سريعة حذرة نحو العمارة الأخرى ... همتهما في المشي وحذرهما ... جعلتني أركّز فيما يحدث ...
إقتربتا من الطريق المؤدية نحو الشرق ... نور أحمر أنار فجأة ... ثم إختفى الجميع ... ركبتا سيّارة كانت تنتظرهما ... ربما تعملان ليلا في مستشفى ... أخلاقهما منعتهما من إزعاج السكّان ... فتسللتا حذرتين...
أيقظتني لسعة جمرة تطايرت من سيجارتي ... كنت أهم بترك مكاني ... مجموعة من الشباب بدأت تتجمّع ... هذا يخرج من اليمين ... وتلك من اليسار ... الأخرى من الشمال وهذه من الجنوب ... سلام غريب بطرق القبضات أو بضرب الأرجل...
بدأ تسللهم نحو الكافيه ... نعم إنهم شلّة الأنس الذين قابلتهم ليلة أمس ... أنهوا دروسهم وخرجوا يروحون عن أنفسهم ...
قطرة مطر شديدة البرودة ثقبت أم رأسي ... نظرت للسماء التي تلبدت فجأة ... ليلة ماطرة أخرى ... هرعت لداخل الغرفة أحمي نفسي من بلل قد يعيق هروبي...
جاهدت كي أفسح مجالا يسمح لي بالجلوس بين الأكياس ... تقرفصت فيه ... لم أترك مجالا لعقلي بالتفكير ... سأنتظر الفجر وأترك هذا العالم الغريب لأهله الأكثر غرابة ...
بعض الدفء... وأغمضت عيني متخيّلا كمية السخرية من أهل القرية ورموزها ... سخرية صلاح ستكون أرحم من الأكل من القمامة ... فقط هي فاطمة التي أشعر بالغثيان كلّما ذكرتها ... لا يهم إن كانت تحبني كما تقول فستغفر لي فشلي...
رفعت رأسي أتفقد محتويات الغرفة ... فكرة مجنونة سكنت عقلي ... ربما إحدى هذه الكراتين تحتوي كتبا ... لو وجدت بها بعض القصص سأحفظ كرامتي أمام فاطمة ... صورة وجهها وهي تستقبلني منتصرا بهديتها بعثت في روحي نشاطا لم أعهده...
فتحت الصندوق الأوّل أفرغت محتواه ... كتب دراسية قديمة لأحد أبناء سكان العمارة ... خطّه جميل ... أعداده تؤكد أن أبناء الأغنياء دائما متفوقون ... رغم خيبة أملي لكني لم أستسلم ... أعدت تنظيم محتوياتها وفتحت الثانية ... نفس الشيء ... كنت أعيد رصف تلك الكراتين فوق بعضها لأفسح المجال لحركة أكثر راحة...
كدت أقفز من الفرحة ... ألف ليلة وليلة ... رسالة الغفران ... الحي اللاتيني ... عدّة عناوين لكتب كبيرة الحجم ... ليست روايات عبير لكنها تفي بالغرض ... أن تخطأ الهدف خير من أن لا تصيب شيئا ...
رحت أبحث عن كيس أضع فيه غنيمتي ... أفرغت ما كان موضوعا على السرير ... لعب قديمة ... ملابس ***** ... ملابس كثيرة ... خاب أملي أن أحدها لا يناسبني ... رحت أعيدها بعناية ... تناقص حجمها ... فرغ السرير كليّا...
فتحت خزانة إكتشفت وجودها بعد تنظيم الغرفة ... ملابس تبدو كملابس الشرطة ... كمية هائلة من الأجهزة الإلكترونية القديمة ... مسجلات ... لواقط فضائية ... خيوط ووصلات لا تحصى ...
لم أصدّق عيني وأنا أشاهد ورقة صغيرة مطوية ... ورقة ذات عشرين دينارا ... كنت متأكد أنها ورقة مزيفة من مخلّفات دروس أحد الأطفال ... رفعتها قبالة الفانوس ... هكذا كان يفعل صلاح وهو يتأكد من سلامة الأموال عند إتمامه لأحد صفقات التبن أو الفحم أو بعض الخراف ...
حركة لا أعرف نتيجتها لكني أقنعت نفسي أنها سليمة ... وضعت الكتب في كيس يبدو متينا ... دسست الورقة النقدية مع بعض القطع المتبقية ... صوت الفجر يأتي بعيدا من إحدى المآذن ...
هممت بتنفيذ خطتي بالهرب ... بعض السحب لازالت تلقي بحممها الباردة ... من يسرق كتابا يسرق ثوبا ... فتحت الخزانة ... إخترت بدلة من الملابس المعلّقة فيه ... قماشها المتين سيحمي ملابسي من البلل ... سألبسها حتى ينتهي المطر ثم أتخلّص منها ...
نظرت لنفسي في مرآة صغيرة ... بللت شعري وسرّحته ... أشبه ضباط الشرطة في الأفلام الأمريكية ... أشرت بسبابتي لصورتي في المرآة ... منذر 007 ... هههه ليس أحسن مني ...
قطعت السطح محاذرا البرك للكبيرة المتجمعة فيه ... السلّم ثم الباب وأصبح طليقا ... ما إن وضعت قدمي على الدرجة الأولى حتى أضيء الفانوس ... وقع القدام سبق الصورة ... رجل أصلع ... حواجب بيضاء ... عينان يقطر الدم من حمرتهما ... معطف أسود ... يحمل بين يديه الصلبتين عصى طويلة ...
توقف قلبي رعبا ... بدأ يصعد السلّم نحوي ... خطواته الواثقة ونظرته المباشرة في عيني تنذر أن أمري إنتهى ... تجمّدت مفاصلي مع يقيني بعدم وجود منفذ ... إقترب مني وعينه الحمراء ترمقني بنظرات يمتزج شررها بوميض البرق...
رفع عصاه للأعلى ...ألقيت الأكياس ووضعت يدي على وجهي متحفزا لضربة تهوي على أم رأسي ... صوت ضحكة مبحوحة جعلتني أفتح عيني ... دفع العصا بين يدي ... وسحبني من مرفقي ...
لم أجد بدا من الإستسلام ... سحبني نحو أنبوب تصريف المياه ... ووقف خلفي ... لم أفهم ما يريده مني ... هل سيرميني من السطح ؟؟؟ وقف دون حراك ... لم تطل حيرتي ... صوت جوهري ثابت يعكس الشخصية القوية لصاحبه ...
" ماهو لوكان سي توفيق سمع كلامي .. ماكناش نوصلو لهذا " ... نظرت في عينيه مستفسرا عما يقول ... " قتلو من أوّل الصيف نظفها " ... زادت حيرتي ... أجابني بحيرة أشدّ ... " الحلقوم ... المجاري ... ميزاب الماء" ...
لم أنتظر أوامره وبدأت أحشر العصا في فتحة الأنبوب ... مع كلّ حركة مني بدأ الماء يسيل ببطئ ... تزايدت سرعة حركتي فتزايدت سرعة الماء ... بدأت البرك تنحسر بسرعة .... كنت أنفّذ أوامره دون كلام ...
وقف وسط السطح ينظر لنتيجة عملي ... " شفت ... خدمة متاع نصف ساعة كانت ترتحنا ملي جرى .. " لم ينتظر سؤالي عما جرى ... " إيجا ورايا فيسع " ... فيسع كلمة تدلّ على السرعة ... لا أحد يعلم مصدرها في لهجتنا لكن الشعب كلّه يقولها ...
بفيسع شديدة نزل السلم وأنا أتبعه ... الممر المؤدي لبيت سي توفيق ... الشقة رقم 5 ... فتح الباب وأمرني بالدخول خلفه ... نفس هندسة بناء شقة سي توفيق ... غير أن أثاثها يفوقه فخامة بمرّات ...
ريقي إستعصم أن ينزل في حلقي ... قلبي يدق غير أني لا أسمع نبضه ... تبعته حتى دخلنا المطبخ ... بركة كبيرة من المياه يسبح فيها المطبخ ... هو ليس مطبخا بل مختبر طبي ... مد ممسحة في يدي ... " فيسع وما تعملش حس ... الجماعة مازالو راقدين " ...
لم أجد بدا من تطبيق أوامره ... نفذت أمره بسرعة ودون ضوضاء كما قال ... يجب عدم إزعاج الجماعة ... من هم الجماعة ؟؟؟ ... متى ينتهي هذا الكابوس ... ماذا أفعل هنا ...
نشّفت أرضية المطبخ ... رخام أسود فخم يزّينه ... نعم يبنون مطبخا بالع¨رانيت الأسود سعر المتر فيه بألف دينار ليقطع عليه البصل بألف مليم ... الأغبياء ... عفوا الأغنياء ...
وقفت أنظر لمحتوى ما سمّاه مطبخا ... دخل الأصلع ثانية ... " شفت ؟؟؟ عاجبك إلي جرالي " ... وذهب نحو صندوق يشبه ما سخّنت حبيبة به الطعام ... سحبه من مكانه وضعه في يدي ... " لوكان ضربنا الضو ... شتنفعني إنت وإلا السي توفيق متاعك " ... كانت عيني تعتذر منه ... كأني أنا من تسببت في نزول المطر .... وسببت خطر أن تصعقهم الكهرباء ....
وضع تلك الآلة في يدي ... وضع يده في جيبه ... أخرج ورقة من جيبه ... وضعها في يدي قائلا " يعطيك الصحة ... يرحم والديك " ... أخيرا ... أجر مضاعف ... والدي في السماء وأنا على الأرض ...
كنت أهم بالخروج غير مستوعب ما أفعل ... يدي تحمل آلة التسخين ... وأصابعي تمسك بالورقة النقدية الزرقاء ... إقتربت من الباب ... كدت أخرج منه ... صوت يلحقني ...
" إيجا هنا وين ماشي ؟؟؟ " ... إلتفت خلفي وقد خنقني الضجر من هذه الجملة التي تمنعني من الحرية كلما إقتربت منها ... وضع في يدي الأخرى ورقة مكتوب عليها بقلم وورقة نقدية ... أمرني أن ألبي طلباته بسرعة قبل أن يفيق الجماعة...
خرجت مسرعا من باب الشقة ... نزلت السلالم جريا ... خرجت من باب العمارة ... بدأت أفكّر بالهرب بجدية ... أملك ثمن تذكرة الحافلة و ما أشتري به القصص ... مازالت الفكرة تتخمّر في رأسي حتى لحقني صوت من الأعلى...
" يلى ماعادش وقت ... هذيكا حطها غادي تو تهزها البلدية " ... رحت أجري نحو إتجاه إصبعه مطيعا أمره ... ألقيت الصندوق بجانب مقلب قمامة عند مدخل المركب السكني ... وضعت يدي في جيبي ... ورقة نقدية من فئة 10 دينارات مكافأة على جهدي ... وورقة عليها طلبات مكتوية بالفرنسية ...
أنا قدراتي في الفرنسية محدودة وخطه يصعب قراءته ... بدأت أجري لأجلب طلباته ... لكن من أين ؟؟؟ ... وأين أتجه ؟؟؟ ... رجل يدفع عربة حديدية وضع داخلها بعض المهملات ... كراسي بلاستيكية محطمة وسطل وأشياء أخرى...
صبّحت عليه بأدب ... شكله ولهجته تؤّكد أنه من عمال البلدية ... أكيد أنه يجول هذه الشوارع ويعرفها جيّدا ... مددت له الورقة مستفسرا عن مكان بيع تلك الأشياء ... تملى فيها ببطئ ثم أشار لي أن أتجه يمينا ... على بعد 200 متر توجد مخبزة...
رغم تعجبي من أن المخبزة تبيع الدواء .. لكني أرشدته لمكان وجود آلة التسخين ... مسرعا نحو هدفي سعيدا بوجود هذا الرجل الطيب الذي ساعدني في التخلّص من طلبات الأصلع هذا ...
وضعت عاملة تبدو ودودة طلباتي في كيس ... أرجعت لي الباقي ثم طرت عائدا للعمارة ... إستوقفني الرجل وهو يقلّب الآلة ... قال بصوت ثابت " ما تسواش أكثر من 10 " ...
نظرت إليه مندهشا ... صار يقسم بكل المقدّسات أنها لا تساوي أكثر من ذلك ... وضع عشرة دنانير في يدي قائلا " خلينا ناكلو معاك خبزة " .... ووضع الآلة في عربته وإنصرف غير مبالي من دهشتي ... البلدية هنا تدفع لك ثمن قمامتك ... خضراء أنت يا تونس ...
دسست الورقة في جيبي وعدت أهرول ... الأصلع في الشرفة يشير لي بمواصلة الركض بتحريك قبضتيه ... صعدت السلّم قافزا ... وجدته ينتظرني عند الباب ... مددت له الكيس وأردت إرجاع الباقي له ...
ربّت على كتفي ليمنعني ... لم أنطق بعد حتى فتح باب شقّة سي توفيق ... حبيبة التي غمرتها الدهشة من وجودي ... من الزي الذي ألبسه ... من وقوفي أما بيت جارهم ... سؤال توجهت لي به عبر تقطيب حاجبيها ونطقت ...
صباح الخير دكتور ...
صباح الخير بنتي ... يعطيكم الصحة ... قتلو سي توفيق العمارة يلزمها بواب
.... ( صدمة حبيبة لم تصل لصدمتي... بواب ؟؟؟ ... أنا ... لم يجب أحدنا)
إيه سي توفيق كبر وصحته ماعادش متاع خدمة ؟؟؟
خدمة ؟؟؟ ... سي توفيق كان يعمل بوابا ... البوابون ينادون بسي هنا ؟؟؟ يسكنون في ذلك المستوى ... خضراء أنت يا تونس ... أغلق الباب وتركنا نسبح في حيرتنا ... سحبتني حبيبة من كتفي ... حتى باب المصعد ...
إيه الموضوع ؟؟؟ إيه إلي إنت لابسو ؟؟؟
أصل بردت باليل والدنيا مطر ... لقيت دول مرميين فوق لبستهم...
وبعدين ؟؟؟
طلعلي الراجل داه ... وخلاني نظّفت السطح والمواسير ..وبعدين المطبخ في شقته وبعدين بعثني أشتريله طلبات ... بس
بس ... بس ( وراحت تضرب كتفي كطفل ضبطته أمه يلعب في الرمل)
فتحت مدام فريال باب شقتها على وقع صراخي من الألم .... وقفت بيننا تلتحف روبا منزليا حريرا أبيض يغطي كل جسدها ... دفعت حبيبة للداخل وسحبتني من كتفي كجرذ ميت لألحقها ...
أخبرتها حبيبة بما جرى ... تحوّل لونها للأصفر ... وضعت جبينها بين كفيها من هول المصيبة ... بدأت أفتح أزرار السترة ... كنت سألقي بها أرضا ..وأصرخ في وجهيهما أني مغادر ... لا أحد يمتلك حق إحتجازي وإهانتي هكذا...
تمشي تروح فين ؟؟؟؟ بعد ما دبستنا فيك ؟؟؟؟
يا سلام هو انا عملت إيه ؟؟؟ أنا راجع بلدنا وإنتو إتصرّفو ؟؟؟
يا سلام وحأنقول للدكتور ماجد إيه ؟؟؟
قولولو الحقيقة ؟؟؟
بالبساطة دي ... نقلو إن إحنا دخلنا راجل غريب العمارة وكمان بات فيها ... ويعرف الرقم السري للبوابة ... عاوزو يعملنا مصيبة...
مش مشكلتي ؟؟؟
لا يا حبيبي مشكلتك ؟؟؟ زي ما دبستنا فيك تريحنا منك
إزاي
إقترحت حبيبة أن أواصل العمل لفترة ... كبواب وحارس للعمارة ... ثم أنصرف ... خصوصا وأن هذا العمل سيوفر لي مأوى وطعام وأجر ... الأجر كان سبب ترك الحارس السابق لعمله ... 300 دينار ... كل شقة تدفع 50 دينار كنصيبها في أجرة خدمات البواب ... رقم هزيل تسبب في خلاف بينه وبين سي توفيق فطرده ولم يعوضه منذ مدّة ... سي توفيق هو صاحب هذه العمارة ... لم يستسغ عقلي ذلك...
مدام فريال أسعدها الخبر ... حبيبة أيضا تبدو سعيدة لغرض ما ... أنا فقط لم أكن سعيدا ... لا أعلم السبب ...
غيّرت المدام ملابسها ... نزلت معي في المصعد ثانية ... راحت تفهمني طبيعة عملي ... تنظيف المدخل ... العناية بالنباتات...
مراقبة الدخول ليست مهمة لا يدخل إلا السكان عبر الرقم السري والزوار يفتح لهم مضيفوهم من الأعلى ... إخراج القمامة ... مهام تبدو بسيطة ... يمكنني النوم في غرفة السطح ...
سعيد بمهمتي الجديدة ... شهر أو شهران يؤجلان مواجهتي لأهل القرية ... سيمنحانني فرصة لإختلاق كذبة مقنعة عن سبب فشلي ... سأوّفر بعض المال من عملي ... البلدية ستدفع لي ثم ما يلقيه هؤلاء ...
وضعت كرسيا ... أمام العمارة ... أمسك عصى بيدي ... كحارس ضيعة ... بدأت بذور أحلامي تنبت ... وبدأت أراقب الخارجين من العمارة ... عرض أزياء يمر أمامي ... الميني جيب ... الصدور المفتوحة ... وجودي دفع همهمة في حناجر الثلاثة أزواج الخارجين .... كان الدكتور آخر المغادرين ... قمت من مجلسي إكبار له ... قابل حركتي بإبتسامة جامدة .... كان يقف مفسحا المجال لمرأة تبدو إبنته ... شعرها أسود وتلبس معطفا أسود يغطي رقبتها حتى أسفل قدميها ...
فتح لها الباب وإنتظر حتى تجلس ... منعني وقوفه خلفها أن أتملى وجهها ... دار مسرعا ليركب من الجهة الأخرى ... زجاج السيّارة القاتم يستر ما بداخله ... إحترمت هذا الدكتور ... حريص على شرفه ...
إنطلقت السيّارة ... كنت أتابع حركة عجلاتها ... توقفت بجانبي حافلة ... الرسوم التي نزينها تدلّ على أنها لإحدى المدارس ... ما إن توقفت حتى فتح الباب ... ولد وبنت متقاربان في الأعمار لم يتجاوزا العاشرة ... ملابسهما تشبه ما تلبسه تلك الرؤوس المطلة من نوافذ الحافلة ...
ستنجحان يا ولداي ... المدرسة تأتي لكما لتنقلكما ... نفس الوضعية بالنسبة لأترابكما في قريتي ... أصلا كنا نصل المدرسة لا نعي شيئا من فرط التعب...
الباب البلوري يفتح ... سيّدة محجبة تخرج منه ... تجاوزتني بخطوتين ثم تراجعت نحوي ... سيدة في منتصف الثلاثينات على ما يبدو ... محجبة تستر رأسها بخمار ... ملابسها الطويلة تستر جسدها .. وجهها الجميل مزين بمكياج خفيف...
إنهزمت نظراتي المتفحصة أما نظرة عينها الثاقبة ... تقدّمت نحوي وتوقفت تسألني ... كنت أغرس عيني في الأرض خوفا منها لا أدري لماذا ... خشيت على مهنتي الجديدة ...
صباح الخير ... إنت الموظف الجديد
تحت أمرك يا هانم ...
إسمك إيه ؟؟؟
منذر سعادتك
طيب يا منذر .. عاوزة أطلب منك خدمة
أمرك يا فندم
إحتمال أتأخّر النهاردة في الشغل ... شفت الأتوبيس إلي لسة ماشي ( أشرت برأسي بالموافقة ) ... لما يرجع أرجوك تخلي الأولاد معاك شوية ... هما مؤدبين ومش حأتخّر ... كلها نصف ساعة ...
أمرك يا فندم ؟؟؟
ودعتني بإبتسامة يقطر الحياء من ثناياها ... أدارت محرّك سيارتها ... هي الأقل فخامة بين كل الموجودات ... بمغادرتها بدأ الملل يتسلل لصدري ... المركّب خالي من أي خطوة ... السماء لم تأخذ قرارا بعد ... أهي مغيمة أم صاحية...
بدأت مؤخرتي تقرصني من الجلوس ... قمت أتمطىّ ... بدأت أتمشى أمام باب العمارة مقلدا الحرس الإنجليزي ممسكا بعصاي ... أنظر لإنعكاس صورتي في بلور الباب ... أقدّم التحية العسكرية لنفسي ثم أواصل خطواتي ...
أسعدتني لعبتي الجديدة ... روحة وجيئة ... تسلية جميلة ... شكلي جذّاب في البدلة ... ليتني إلتحقت بالجيش كرائد ... رائد يروي لي قصص مدهشة عن مغامرته ... رائد الذي رافقني طيلة طفولتي و مراهقتي ... تطوّع بالجيش كجندي ... إسمه ورتبته لا يتقابلان .... هرب من الفقر للفقر ...
خط أحمر صغير يزيّن كتف بدلته الخضراء ... والده صار يرفع رأسه عاليا فخورا بإنجاز إبنه ... أنا أصررت أن أواصل التعليم ... حلمت أن تزيّن نجمة كتفي يوما ... إحباطي لا يوصف لما تيقنت إستحالة إلتحاقي بالأكادمية العسكرية ... إبن من أنت حتى تصبح ضابطا في بلدنا ... هكذا هي حياتنا ... مستقبلك يرسم مذ كنت تتخبط في خصية والدك ....
ليتني تبعت رائد ... طموحي أكبر منه ... ثم ماذا ... لا نجحت في هذا ولا ذاك ؟؟؟؟
بدأت أتجوّل بين العمارات ... علني أجد زميلا أتسلّى معه وأفهم طبيعة هذا المكان ... سبع أبواب متشابهة خالية ... كلّها تفتح بنفس الطريقة ... بدأ الجوع يقرصني ... تذكّرت تلك المخبزة ... واجهاتها تسيل اللعاب ... وجه البائعة يسر القلوب ... سأضحي بقليل من المال لأشبع بطني وأسرّ قلبي...
لم أفهم أي إسم مكتوب على المعروضات ... المهم لم أحرج نفسي ... إخترت لونين لفتهما لي البائعة البشوشة ... ثم إنصرفت ... قبل وصولي لمدخل المركب ... شاحنة البلدية تقف أمام الباب تفرغ الحاوية الخضراء...
لقد وضعت فيها أكياس ستعود عليا بالمال الوفير ... العمال يتسلّقون جوانب العربات ... والسائق يهم بالإنصراف ... رحت أزفّر وأصرخ عليهم بالتوقف ... إحمرّت فوانيسها الخلفية كما إحمرّت عينا العاملين وهما يسمعان سؤالي " فين ماشيين ؟؟؟ ما خلّصتوش " ...
الحمرة الأكثر كانت على وجنتي خجلا وأنا اسمع أحد العمال يرد على جوابي لسؤاله عن الثمن الذي يتوجب عليهما دفعه ... " ما خلصتوش حق الزبلة ... " ... نظر لصاحبه وإنفجرا ضاحكين ... صوت أحدهما يصرخ على السائق يأمره بالإنطلاق ...
" إمشي ... إمشي ... هاو واحد جبري ينيك في أمه عالصباح " ... الجبري هو الإسم الذي يطلقه أهل المدن على القادم من وراء الإشارات ... ما يغيض أن الذي نعتني بالجبري ... يبدو من شكله ولهجته أنه نازح من إحدى مجاهل الأرياف...
أنا جبري ... هل تفقد تلك الصفة بحكم الأقدمية ... آلمتني عنصريته ... كما آلمتني خيبة أملي في تحصيل المال من القمامة ... لماذا دفع لي ذلك الرجل ثمن ما أخذه ... سؤال طاردني حتى منتصف النهار ...
لا أحد يعود للغذاء في بيته ... المركب زاد هدوئه ... كنت تائها في هذه التجربة ... تلفحني بعض أشعة شمس هذه الظهيرة ... أغمضت عيني متوسدا مرفقي على حافة الكرسي ... الفراغ من حولي جعلني أغط في النوم...
صوت يدخل حلمي الملخبط ... كائن فضائي ينادني بالإسم ... " منذر ... منذر " .. فتحت عيني ضاحكا من حلمي ... لحقني نفس الصوت ثانية ... منذر منذر ... إلتفت يمينا وشمالا ... نظرت للأعلى ... للأسفل ... لا أحد هنا...
بدأت أشك في سمعي .... " منذر فينك ؟؟؟ " صوت ممزوج بحشرجة يأتيني من قرب الباب ... بدأت أتبع مصدره ... وقعت على أربع عاجزا عن الزحف هربا ... الحائط يتكلّم ...
" منذر إنت فين ؟؟ " مربع قرب الباب يكلّمني ... أكبر كذبات صلاح لم تصل لهذا الخيال ... كنت أتحسس الحائط باحثا عن مصدره متأكدا أني لا أزال أعي ... لمست أصابعي أحد الأزرار ...
صوت شديد القوة يصدر منه " وين كنت عندي ساعة نلوّج عليك ؟؟ " ... لم أفهم ماذا أقول ؟؟؟ .. لماذا يبحث عني الحائط منذ ساعة ؟؟ ماذا يريد مني وأنا لم أفارقه .... " أنا هنا ما عندي وين مشيت " ... " باهي إطلعلي حاجتي بيك " ... أين سأصعد ... الحائط يريدني ... " فين نطلع ؟؟؟ ... " للدار ؟؟؟ هاني نستنى فيك ؟؟؟ " ...
تلقف عقلي البسيط أن ذلك جهاز إستدعاء ... حبيبة أو المدام تنادياني ... لا أحد يعرف إسمي غيرهما والدكتور وتلك السيدة ... تشجعت وركبت المصعد ... الأمر ليس معقدا فقط إضغط على الزر المناسب للطابق ...
وجدت حبيبة تنتظرني عند الباب ... وضعت في يدي قائمة طلبات وورقات نقدية ... طلبت مني الذهاب بسرعة للمغازة لجلبها ... كولد مطيع خرجت أجري ... متوجها للمغازة ... أين المغازة ؟؟ أين موقعي من خريطة الكون...
صوّر لي ذكائي الخارق أن المغازة لن تبعد عن المخبزة ... وفعلا صدقت توقعاتي ... المغازة وحدها عالم آخر ... لن أنسى كمية الإحراج التي تعرضت لها...
ماوكلي شخصيا يجري بين رفوفها المزينة بكل ألوان الأشياء ... تبيع كلّ شيء ... رحت أقلّد أحد الزبائن ... حبيبة دخلت قلبي ... تكتب بالعربي ... خطها واضح وطلباتها مفهومة ... أشياء أعرفها ... طماطم فلفل ... دجاج...
خرجت مثقلا بالأكياس ومصدوما من إكتشافي الجديد ... وضعت حملي على طاولة المطبخ ... حشرت حبيبة القطع النقدية المتبقية في جيبها ... يئست أن تجود بشيء منها ... فقراء نسلب بعضنا ...
حافلة المدرسة تقف أمام الباب ... السائق سلّمني الطفلين وإنصرف ... بدأت دموع البنت تنهمر بمجرّد علمها أنهما سينتظران معي ... عبثا حاولت ترضيتها ... رقصت ... قفزت ... أخرجت لساني ... وضعت إبهامي في أذني ونفخت حلقي ... كف يد الطفل تنزل هاوية على خدي المنتفخ ...
وإنفجرا ضاحكين ... لا يهم المهم أن لا تأتي والدتهما وتتهمني بسوء معاملتهما ... تورمت خدودي من الضرب ... هربت للحديقة أمام العمارة مازحا معهما ... لم ينتهي الطفل من متعته في ضربي ...
هددته إن لم ينتهي أني سأخبر والده ... تلك الكلمة في قريتنا تساوي حكم الإعدام لطفل أساء التصّرف مع من هو أكبر منه ... دمعت عيني عندما وضعت الطفلة يديها في محزميها تهزهما نكالة بي " بابا عند ربي " ...
يتيمان مثلي ... عانقتهما دون أن أشعر ... ثنيت ركبي لأوازي طولهما ... إنسحبت البنت وتعلّقت بظهري ... وقعت أرضا ... كنت أقلّد حركة الحمار وهي تركب ظهري ... ضحكها وسعادتها جعلاني أنسى الذل ...
ملائكة الجنة ... ويتيمان ... أجري سيكون سخيا لقاء معروفي فيهما ... أمسك أخوها العصى التي أستعملها للحراسة ... راح يشوي مؤخرتي ضربا وهو يقول " إر... تعتع" أقسم أن جدهما كان فلاحا ... حركة حشر العصا في مؤخرة الحمار ليزيد السرعة لا يعرف سرّها إلا من كان فلاحا إبن فلاح ...
العرق يمد لسابع جد ... والعصا بدأت تمتد سبعة أذرع في مؤخرتي ... صوت محرّك سيارة يقف بجانبي ... أنهى تعذيبي ... " ماما جات ... ماما جات " ... كدت أن أعانقها بدل عنهما سعادة بوصولها ...
نظرت في وجهي ... خدودي الحمراء ... عيوني المبللة بدموع الألم ... لم أتمكن من إمساك يدي لتخفيف الألم عن مؤخرتي ... إقتربت منها مؤديا تحية إنهاء المهمة ...
أرجو إن الولاد ما تعبوكش ؟؟؟
لا أبدا ؟؟؟ دول ملايكة ؟؟؟ (زبانية صغار)
متشكرة قوي يا ... قلتلي إسمك إيه ؟؟؟
منذر ...
متشكرة يا منذر ... (وضعت في يدي ورقة نقدية نظير خدمتي)
شيئا ما سحب لساني ... بدأت أن أدعو لها أن يحفظ أولادها وأن يطيل عمرهما ... خصوصا وأنها الراعية لهما بعد موت المرحوم والدهما ... إلتفت لي ونظرت في عيني ناهرة مستفسرة مستنكرة ما أقول ...
كدت أصفع نفسي ألف مرّة ... ربما هي تخفي عن ولديها سر موت والدهما ... ليتني صمت ... تلك النظرة جعلتني أفكّر بطريقة تجعلني أعرف كلّ أسرار السكّان حتى لا أقع في مأزق جديد ... كيف كنت سأعرف ؟؟؟ ... البنت هي من أخبرتني بذلك ؟؟؟
عاد السكّان تباعا مع إقتراب الظلام ... بدأ التعب ينهكني ... والجوع ... قرعت جرس بيت فريال ... طلبت منها أن تعلمني بمواعيد العمل المضبوطة ... المسكينة راحت تشرح لي بالتفصيل ... العمل ليس شاقا ولا يتطّلب جلوسي طوال الوقت بالباب ... كل شيء هنا إلكتروني لو إحتاجني أحد سيناديني بالإنترفون ... جهاز المناداة ... واحد عند الباب والثاني بالغرفة ...
صعدت السلّم لغرفتي وقد تورمت قدماي ... حكة وألم في مؤخرتي بسبب عبث الصبي بها ... نزعت ملابسي ... دخلت الحمام ... قطعة صابون تعود للعهد البونيقي ملتصقة بأرضه كانت وسيلة نظافتي الوحيدة ...
تخلّصت من رائحتي ... غسلت ثيابي ... وكل ثياب الحارس السابق ... نظرت لبوكسري المهترء... كل ثقب فيه يشهد على سنين العشرة بيننا ... لففت وسطي بفوطة وجدتها بين المهملات ... حملت كدس الثياب أريد نشرها ...
لا يوجد حبل غسيل هنا ... ربطت بعض الأسلاك من الخزانة ببعض ... إستعملت صندوقا خشبيا أعتلي عليه لربط السلك بعمود حديدي ... كنت أهم بنقله للجهة الأخرى ... حين رفعت رأسي ليصدم نظري بركبتين مدوّرتين ... يعلوهما فخذان بيض مدورة ... ناعمان كالثلج ... يستر وسطهما شورت أسود يغوص في مفرق منتفخ بينهما...
هززت رأسي علي أفيق من حلمي ... وجه عابس ... عينان صارمتان غاضبتان تنظران نحوي ... شعرها أسود لدرجة لا تصدّق ... الألوان هنا كلها بتقنيةHD... ليست كما تعودت رأيتها ... لم أفهم بعد ما يجري ... حتى سمعت صوتها العذب الرقراق رغم تصنعها الغضب...
إنت مين ؟؟؟
أنا منذر البواب (طبعا ليس اللاعب السابق)
وبتشتغل هنا من إمتى ... ؟؟؟
من البارح ...
إنت بقى إلى قطعت الإرسال عن التلفزيون ؟؟
( أنا أحقر من ان أتمكّن من فعل ذلك) لا يا هانم ؟؟
أمال هو مش بيشتغل ليه ؟؟؟
كنت سأرد أني لا أعرف ... نظرة إستطلاع للسطح علي قمت بمصيبة لم أدركها ... خيط أبيض يتدلى من قصعة بيضاء من مجموع أواني كثيرة لم أفهم سبب وجودها ... الخيوط كلّها موصولة ... فقط ذلك الخيط ... ركضت نحوه على أربع كذئب جريح...
فهمت بالنظر أني لو أعدته مكانه سأصلح ما أفسدته بغير قصد ... أعلمتها أن تنزل وتتأكد إن كان الموضوع قد سوي ... رحت أراقب إهتزاز ردفيها الطريين وهي تتمشى أمامي ... لا يمكنني المقاومة ...
وضعت الصندوق تحتي وعدت لما بدأت فيه ... محاولا الوصول لمسمار أعلى حائط غرفتي ... واقفا على أطراف أصابعي ... صورة الركبتين لا تفارقان عيني ... إنتصاب بدأ يدغدغ قضيبي ... لم أستسلم لتلك المتعة بعد ... صوت من خلفي بعث رعبا في نفسي جعلني أسقط أرضا ...
ضحكها ملأ المكان ... السيدة تنحني على ركبتيها وتمسك بطنها تضحك من منظري ...خدودها البيضاء تورّدت ... عيونها الناعسة تبللت أجفانها ... حاولت الوقوف لكن الفوطة إنسحبت من وسطي ... إعتقدت أني أدركتها قبل أن أتعرى...
حركة شفتي السيدة وتغيّر ملامح وجهها يؤكدان العكس ... سترت نفسي مرتبكا خجلا خائفا مرعوبا مشدوها ... لففت الفوطة من جديدة ... نبرة صوتها تغيّرت ... ذبذبات تغيّر مسار حيتان العنبر في أقصى الأرض...
آسفة علي حصّلك ... كنت عاوزة أقلّك إن الإرسال رجع خلاص...
ما كانش فيه داعي تتعبي نفسك ... كنت حأفهم لوحدي لو ما رجعتيش...
باين عليك ولد ذكي ... يا ....
منذر يا فندم ...
طيب يا منذر ... أنا مدام سهام إلي ساكنة في الشقة 5
تشرفنا يا هانم
إبقى عدي عليا شفني إن كنت عاوزة حاجة ...
مدت يدها لتسلّم عليا ... ترددت كثيرا قبل مصافحتها ... تيّار خفيف شلّ حركتي مع ملمس كفها الناعم بين يدي ... سحبت يدها برفق ... كانت عيني تتبعها غصبا عني ... إلتفت نحو وهي تضع يدها على باب السطح ... قاستني من أعلى لأسفل ... توقف نظرها عند وسطي ثم غابت في ردهات السّلم ...
لم أتحرّك من مكاني لمدة يمكن أن تكون أنهت فيها حلقة مسلسلها المفضل ... هي زوجة الدكتور ... الجماعة شخصيا ؟؟؟؟ ... محضوض هو ذلك الأقرع بهذه التحفة ... إن كانت يدها ناعمة هكذا فكيف هو الباقي ؟؟؟
قبل أن أنتبه من سكرتي ... ضربت خدي بكفي ... أكيد أنت تحلم ؟؟ ... سيدة بمكانتها لا يمكن أن تنجذب نحوك ... هي لا تراك أصلا في قائمة المخلوقات .... ربما هي طبيعتها هكذا ... خنقت كل أفكاري خوفا من مصير مجهول لو تبعت أي فكرة منها...
بدأت أنشر ملابسي ... صوت يأتي من باب السطح يناديني ... حبيبة تصعد لتقدّم العشاء ... وقفت طويلا تتأمل شكلي والفوطة ملفوفة بوسطي ... ما خلّفته فيا شظايا سهام بدأ يبرز بين فخذي ...
لم تكن تحتاج لتصعد عندي ... كان يمكن أن تعلمني بذلك عبر الإنترفون ... تقدّمت مني تتملى في صدري العاري ... دخلت غرفتي معجبة بالتنظيم الذي قمت به ... إنحنت تضع طبق الطعام على الطاولة ... طالت فترة إنحنائها عن اللازم...
إلتفت للخلف تتأكّد أني أراقبها ... كشفتني رغم حذري ... خلتها ستوبخني ... تبسّمت ثم خرجت تجيل النظر في الأفق ... وضعت يديها على سور السطح ... تأخرت برجليها قليلا وفتحتهما ... بان عري فخذيها من فتحة تنورتها...
نظرت في عيني وقالت ... " المنظر من هنا جميل جدّا …إنت بتسهر وإلا بتنام بدري "
الجزء الثاني
الطابق الثالث (الشقة رقم 6)
نزلت السلّم المؤدي للممر ... بمجرّد أن أضاءت أنواره تلقائيا أفقت من غفوتي ... ماذا دهاني ؟؟؟ ... بمثل هذا الإبتذال ؟؟؟ أنا حبيبة التي كانت أقدام الرجال تحفى لنيل بسمة من شفتيها ... لم أفهم ما حدث لي...
فتحت باب الشقة ... مدام فريال تطلّ من باب غرفتها ... لتطمئن أني أنا القادمة ... توجهت المطبخ بعد أن بادلتها الإبتسامة ... وضعت إبريق الماء يغلي فوق النار ... وجلست ... لا شيء في عقلي يعمل ...
رفعت رأسي أتملّى في تفاصيل المطبخ ... أنا من أمضت عمرها كلّه في المطابخ ... تلك الإبتسامة الحنونة التي ودعتني بها أمي وهي تمسح دمع عينيها ... صوت محرّك السيّارة يبعد صورتها عني ... أبي يعدّ ورقات نقدية كانت ثمن بيعي ... لم يهتمّ حتى بوداعي ...
نظرة ذلك الرجل وهو يلتفت من المقعد الأمامي ينهرني عن البكاء لن أنساها ما حييت ... بنت الإثني عشرة سنة تخطف من حضن أمها لتقودها هذه العجلات لمصير مجهول ... لم أكن وحدي ولم أكن الإستثناء ... كل بنات قريتي ... كل بنات جهتي ... كان هذا مصيرهن ...ما إن تبلغ إحدانا الثانية عشر خريفا حتى تقاد للسخرة ... نعم إنها سخرة وليست عملا ... مقاول العاملات يأتي للقرية يختار الأنسب ... يدفع أجر سنة لوالدها ... ثم يعرضها على إحدى البيوت الغنية للعمل كمعينة منزلية ... الحظ فقط هو من يتحكّم في مستقبلك ...
حظي أوقعني في بيت سيّدة مجتمع ... بل سيّدة كل المجتمعات ... كنت سعيدة جدا بملابسي الجديدة ... لن أنسى أوّل إغتسال لي في بانيو الحمام ... أول مرّة آكل في صحن خزفي ... سيدتي الأولى كانت حنونة جدّا ... نفس حنية من يربي خروفا ليذبحه في العيد ... إهتمام شديد بنظافتي و أكلي ومظهري ... أمي نفسها لم تكن بتلك الدرجة من العناية بي ... ولا أبي الذي وئدني ... نعم هي نفس الفكرة السائدة منذ الجاهلية ... لكنها صارت توفّر بعض المال ... أشهر طويلة وسيدتي الجديدة تعلّمني الطبخ ... إعداد المرطبات ... إستعمال معدّات التنظيف ... الآلات ... لم تكن تنجب ... هي أصلا لم تتزوّج لتنجب ... حتى خلت أنها ستتبناني ... حنيتها كانت بهدف فعل الخير ... رحت أتفانى في تنفيذ ما تطلبه مني ... سريعا ما تعلّمت وكنت سعيدة بذلك ... هي كذلك كانت سعيدة ... كانت تتفاخر بي أمام صديقاتها الكثر...
كانت عضوا بارزا في عدّة منظمات خيرية ... حقوق المرأة ... حقوق الطفل ... حقوق الطبقات الهشة ... بدأت تتخلّى عن مساعدتي ... كنت أظنّ أنها تثق بي ... كلمات الإطراء كانت ترطّب جفاف قلبي ... بدأت أنسى أهلي ... قريتي ... دجاجاتي ... عروستي الخشبية التي تركتها وحيدة قرب الموقد تتدفى...
كنت أضع الأطباق المنمّقة أمام الحاضرات في صالون بيت السيدة ... كنت أقف قرب الباب أراقب حركاتهن المنمقة ... كلامهن الشيّق ... لبسهن الراقي ... زينتهن ... شعرهن ... لا يشبهن نسائنا في شيء ... لا يشبهن بعضهن ... يتنافسن في تفاصيل بسيطة ... الضحكة ... مسك الفنجان ... قضم قطة حلويات ... عشقت أصابعهن تداعب سجائرهن ... هن عالم آخر ... كل واحدة منهن عالم ...
مرّت سنتان ونصف وأنا في ذلك البيت ... أنام على حشيّة بالمطبخ لكني أنام دافئة مطمئنة ... آكل لوحدي بالمطبخ لكني بطني لا تقرصني من الجوع ... ألبس القديم لكنه يستر جسدي كما أن شكلي صارا جميلا ... أشقى طول النهار في التنظيف والتضييف لكني أنام مرتاحة البال ... تآكلت ذكريات صغري إلا من مشهد الوداع ذاك...
" يجب علينا الضغط على الحكومة لسن قانون يحمي الأطفال " ... " يجب الضغط لمنع تشغيل القصّر " ... " يجب توفير مناخ يحمي حقوق المرأة " ... " الطبقات الهشة هي برنامج عملنا في السنة المقبلة " ... شعارات كانت تدغدغ أذني ... تتشدّق إحداهن بها ثم تنهرني لأجلب لها كأس شاي أو أفرغ مطفئة رماد سجائرها الفخمة ...
ألست طفلة ؟؟؟ ... ألست من الطبقات الهشّة ؟؟؟ ... أصلا أن أكثر الناس هشاشة ... بدأت ملامح جسدي تنحت ... كنت ككل صبية سعيدة ببروز صدري ... تدور فخذي...
لأوّل مرّة أفتح خزانة سيدتي ... كانت تحاضر لينال المعدمون حقوقهم ... وتعدم حقي بإحتجازي في بيتها .... إخترت فستان قصيرا ... حذاءا بكعب عالي يزيد في تدوّر مؤخرتي الصغيرة ... سوتيان رفع صدري للأعلى ... كيلوت ناعم يدغدغ رغبتي أن أتحوّل لإمرأة ...
كاد قلبي يرقص فرحا لنعومة شعري ... عطر أخّاذ يسبقني ... تجرّأت ودخلت الصالون ... جلست في مقعد السيدة ... أخذت سيجارة من علبتها ... وضعتها بين إصبعي ... وضعت رجلا على رجل ... رحت أقلّد كل واحدة منهن ... ناديت على الخادمة بلهجة التعالي ...
لا إحداهن تزيد في قدرتها عني شيئا سوى أنّها ولدت في مناخ سمح لها بالتعالي على الناس ... أشعلت السيجارة ... أوّل نفس أزهق روحي ... إنحشر في رئتي ... سعالي وصل صداه الأفق ... إحمرّ وجهي من الإختناق ... وتوقّف قلبي عن النبض ... رعبا ...
سيدتي تقف أمامي في باب الصالون ...
صفير بخار الإناء جذب نظري ... سكبت كأس شاي ... عدة لطاولتي بعد أن تأكدت أن مدام فريال نامت ... وضعت يدي على خدي أتحسس أثر تلك الصفعة التي هوت بها سيدتي الأولى على خدّي ... لا يمكن لعقلي أن يمحو شدة غضبها ... حنقها ... عنفها وهي تنزع عني ملابسها ... مزقتها ... أحرقتها في برميل الفضلات بالحديقة ... لتتخلّص من نجاستي الملتصقة بها ...
عينيا تورّمت من شدة البكاء ... فخذاي تلونت بالأزرق والبنفسجي من أثر الركل والسحّل ... عقوبة لا إنسانية ... ثلاث أيّام أجول في البيت عارية ... إنتهاك لكل الأعراف الدولية من سيدة تطالب بحق الدود أن يعيش بسلام...
كرهتها ... لم أعد أطيق تواجدي بجانبها ... رائحة سجائرها صارت تخنقني ... عطرها صار يطبق على صدري ... آخر الأسبوع موعد جلسات نفاق سيدات المجتمع ... أرسلتني بعد إنتهاء عقوبة العري القصري لشراء لوازم الإستقبال...
تظاهرت بمغص شديد ... دخلت صيدلية ... صاحبها شيخ طيب جدا ... أعطاني علبة دواء ... قال أن قطرة واحدة لمدة يومين بمعدل ثلاث مرات يوميا ستقضي على حالة الإمساك التي أعانيها .... أنفقت عليها كل مدخراتي البسيطة...
أخفيتها بين ثنيات صدري ... تعانق حنقي ورغبتي في الإنتقام ... إجتهدت مبتسمة سعيدة متحمّسة ... لم أبالي بقولها " ريت روحك كيف تعقال وتخدم على روحك ما أحلاك " ... نعم أن أحلى منكن جميعا ... لكني لن أكون عاقلة ولن أعمل عندك ثانية ...
تجمعت حلقة النفاق تلك ... الصالون معطّر وأرضيته تلمع ... مخداته مرصوفة بدقة ... أعددت الشاي والبسكويت ... دموعي تنسكب مع قطرات الدواء في كل كوب ... تسعة ... عشرة ... خمسة عشر ... عشرون ... لا أعلم كم سكبت .... لكني أفرغت محتوى العلبة في كل الفناجين ... أفرغت قهري وإحساسي بالنقص معها...
أغلقت باب الحمام بالمفتاح من الداخل وتسللت من شبّاكه الصغير ... أغلقت باب البيت من الخارج ... وجلست قرب شبّاك الصالون ... أشعلت سيجارتي الثانية ... لم أسعل ... بل ضحكت ... تقلّصت عضلات بطني زهوا على صوت صراخهن ... الطرق على الباب بدأ يهمد ... الأصوات بدأت تخفت معلنة إستسلامهن لأثر الدواء...
تجاوزت باب الحديقة ... تخيّلتهن يسبحن في قرف بطونهن في كلّ ركن ... هذه حقيقتهن ... مقرفات ... هذا أصلكن ومنبتكن ...
جلت المدينة لأوّل مرّة ... فراشة حرّة ترفرف ... يمامة منطلقة تحلّق ... غزال تقفز ... روحي تخلّصت من سجنها ...
أمسكت كأس الشاي بقوّة حتى كاد زجاجه يتحطّم بن كفي ... ألم شديد ... إهتز صدري ... هززت رأسي لطرد تلك الصورة ... تلك الرائحة ... ذلك الشيخ الذي توسّمت فيه الخير ... ظننته سيساعدني ... لكنه سلبني روحي قبل جسدي...
قام من فوقي ولم يلتفت ورائه ... تركني تحت سلّم تلك العمارة ... أنزف جرح كرامتي من بين فخذي ... دمي إختلط بقرفه .... نعم لم أصل للسادسة عشرة وأنهكت وانتهكت ... عرفت حينها أن سجن العمل خير من حرية العذاب ... كرهت الرجال ... كرهت الحياة ...
مسحت دمعة تسللت من عيني ... أحرقت مسام خدي ... أشعلت سيجارة أطفأ بها شموع ذكرياتي الحلوة ... نعم بعض السعادة مرّت يوما ما في حياتي ... ثاني البيوت التي عملت بها ... كانت عائلة عادية ... ليسو بالاثرياء لكنهم ميسورون ... زوجان يعملان ... ولد وبنت ... البنت في مثل سني والولد أكبر مني بسنتين ... دفئ غمرتني به تلك العائلة ... لكني كنت أبيت في المطبخ ....
رافقتهم في رحلاتهم ... ألبس مثل بنتهم ... أطفأت شموع أعيادهم ... جالست سهراتهم ... شاركتهم فرحهم وحزنهم ... بل وقرارتهم .... والد حنون وأم لطيفة ... أخت محببة ... عائلة متكاملة ... نسيت معهم حزني وهمي...
تجرّأت ... نعم تجرّأت ... شاب في الثامنة عشر ... وصبية في بيت واحد ... أحببته ... نعم أحببته وهو عشقني ... رافقت سهراته وهو يراجع للبكالوريا ... شجعته ... وشجعني ... إكتشفته وإكتشفني ... علّمته وتعلّمت فيه...
ليالي طويلة كان جسدي مكافئة لإجتهاده وجائزة لصبري ... حب جارف غمرنا ... إختلسنا ليالي طوال ... قبلات حارّة ... لمسات حارقة ... سريره الصغير ... مكتب دراسته … كل الأماكن وكل الوضعيات ... الممكن وغير الممكن...
حب جارف أخذني ... وسرقه ... سنة طويلة رائعة ... سطّرنا فيه كتابا لا تقرئ حروفه ... عشت فيه وعاش بي ... شجعته وأنعشني ... نموت فيه ونضج في...
رفرفت بي أجنحة السعادة يوم دوت زغاريد نجاحه ... غيابه ترك في قلبي فراغا وفي جسدي عطشا وفي روحي تيها ... ثلاث أشهر وعشرة أيّام لم تكحّل رموشي بصورته ... شممت ملابسه ... حضنت مخدّته ... تغطيت بلحافه على ريحه تعيد لي بصري ... بحثت عن خياله في كل أرجاء البيت ...
لن أنسى ذلك اليوم الذي رن فيه جرس البيت ... حبيبي واقف أمامي ... بدلة الأكاديمية العسكرية غيّرت ملامحه ... لونه إكتسب سمرة ... عينه تشع حياة ... عضلاته رسمت تحت ملابسه ...
تركته في حضن أمه وخرجت دون التفاتة ... قرار صعب ومر مرارة العلقم ... وئدت حبي له ... وعدني بالزواج ... كنت أثق في وعده ومتأكّدة من وفائه به ... صورته وهو يضع قدمه على أولى خطوات مستقبله أيقظتني ... أنا مني حبيب شامخ واثق الخطوة يمشي ملكا ... هو يستحق من هي أحسن مني ... لا تقل شئنا فإن القدر شاء...
حب مبتور ... مبتور كأحلامي ... عشر سنين لم تفارق أثار قبلاته شفتي ... عشر سنين لازلت أسمع كلمات غزله تطرب قلبي ... حب كلوحة فسيفساء لم يؤثر فيها الزمن ... شامخة شموخ قصر الجم ... محفورة في صخر قلبي كقصور مطماطمة ... تزودني بالروح كحنايا ماء زغوان تسقي حدائق قرطاج ...
تقلّبت بين أحضان ألف رجل ... غرقت في ماء شهوتهم ... ألف رجل بألف لون ... لا أحد يشبه حبيبي ... لا غنيهم ولا معدمهم ... لا كبيرهم ولا شابهم ... صحراء روحي تبللت بمجرّد أن نطق هذا القروي المعدم إسمه "منذر" ...
لن أستطيع إقناع نفسي بسبب وجيه ... لماذا ركّزت في كلامه والمدام تحاوره ... بسيط مثلي منطلق كحبيبي ... مقهور كقهري وحالم كحلم الماضي الجميل...
تلك الصورة وذلك الرسم وهو يلبس بدلة الحارس ... وقفة شامخة ... عين منكسرة ذكرتني بعين حبيبي يوم داعبت حلمة صدره أوّل مرّة ... أوّل لمسة حب...
فقط لو قال " نعم سأسهر" ... لكنت الآن أعلّمه من أين تأكل المرأة .... سأعلّمه كما تعلّم فيا الكثير غيره .... لكنه إعتذر بالتعب ... إعتذار جعلني أتراجع ... تراجعت حتى ذكرت لبن أمي ندما ...
ربما هكذا أحسن ... لقد تعجّلت راهنت بحياتي الهادئة في بيت فريال .... زوجها شيخ مريض ... لا خوف منه بل الخوف عليه ... إبنتها كالبلسم لا يسمع لها صوت ... أوّل بيت أسكنه ولا أفترش أرض مطبخه ...
غرفة خاصة ... معاملة جيّدة ... فريال سيدة طيّبة أكثر من اللزوم أحيانا ... يكفي أنها تفني شبابها تعتني بزوجها رغم فارق السن ... مغامرتي مع هذا الشاب الغريب يمكن أن تهدم قصر أحلامي هذا ... رغم حنقي لرفضه عرضي لكني أغلقت باب غرفتي سعيدة بالنتيجة ... أطفأت النور ...
إستلقيت على فراشي أريح رجلي من تعب الوقوف طيلة اليوم ... رفعت رأسي لأعلى السقف أراقب أشعة فوانيس تتراقص قادمة من بعيد ... شفاهي تتبسم فخرا بنصري ... بإفلاتي من فخّ تلك الخادمة ...
لم أنسى نظرة عينها وهي تضع الباقي في جيبها بالمطبخ ... هي أقدم مني بالعمارة ... تعرف كلّ التفاصيل .. تحسدني على ما أجنيه من الخدمات البسيطة...
خدعة قديمة ... تطلب مني السهر معها ثم تتهمني أني كنت قليل الأدب أو حاولت معها شيئا ... تعتقد أني غرّ صغير ... لكن هيهات ... صلاح حدثنا بألف قصّة حصلت معه هكذا ... سأحاول أن أتجنبها ولنرى ما يكون ... على أثر تلك الفكرة أغمضت عيني ... لا أعلم كم الساعة لكني أريد النوم ... سريري يسحبني ... وجفوني تثقل ... المكان مريح ... فقط تلك الكراتين هي التي تزعجني ... تخنق براح الغرفة....
على صوت الفجر فتحت جفوني ... نشاط عجيب يملأ صدري ... رغبة في الحياة تشدني ... بللت وجهي طاردا أثر نعاس يرسم على عيوني ... خرجت أتسحب عاريا ألتقط ملابسي من على السلك بالسطح ...
ضوء سيّارة يمر على حافة سور السطح ... مددت رأسي مستطلعا الأمر ... الفتاتان رجعتا من عملهما ... تخرجان منتصف الليل وتعودان فجرا ... عدت لغرفتي شاكرا قبّلت قطعت خبز بقيت في طبق العشاء ... حالك أحسن من حال بعض الأغنياء ... أقل شيء أنت تنام ليلا كبقية الخلق ...
قضمت تلك القطعة أخدع بها عصافير بطني ... غسلت الأطباق ... ربما تستعملهم حبيبة ضدي إن تركتهم على حالهم ... الإهمال ربما يكون ورقتها الثانية لمحاولة طردي ... نزلت أتفقد مدخل العمارة ... نظّفت الأرضية ... المدرج الخارجي ... رويت بعض النباتات ... لمّعت زجاج الباب ... جلست انتظر نداء الدكتور ... الوقت تأخّر ولم يصح من نومه بعد ...
ربما هو يوم راحته ..وإن يكن ألن يطلب مني شيئا ... ألن يعطيني شيئا مقابل الخدمة ؟؟؟ بدأت حسابتي تتلخبط وقرص الشمس يصارع بعض الغيوم ... حركة السكان بدأت تنشط ... ندمت على ساعات نوم أهدرتها عبثا ...
خرج ثلاث أزواج دفعة واحدة لم يكن الدكتور أحدهم ... لم أركز في وجوههم رغم أن حناجرهم أكثرت من الهمهمة ... همهمة إختفت بدوي محركات سيّارتهم...
سؤال واحد يشغل تفكيري ... أين الدكتور ؟؟؟ سيّارته غير موجودة ؟؟؟ ربما غادر مبكرا ... طبيعة عمله صعبة ... ربما حالة مستعجلة تطلّبت مغادرته...
قطع توقف حافلة المدرسة تفكيري ... العفريتان ينطلقان بأدب شديد من باب العمارة مباشرة نحو الحافلة التي غادرت مخلّفة رائحة عجيبة...
السيدة المحجبة تخرج دون الإلتفات نحوي ... لم توصني بالعناية بأطفالها ... يوم عمل مثقوب لا بقشيش فيه ... خاب أملي ...
كعادة هذه الرقعة السحرية ... الفراغ القاتل ... فراغ بدأ يصرخ في بطني ... داعبت بعض القطع النقدية في جيبي ... ربما سأنفق القليل لتدليل نفسي ... توجهت نحو المخبزة ... قابلتني البائعة البشوشة بوجه ألف قدومي...
وجهها بلل جفاف الغربة في صدري ... أخذت ما إشتهت نفسي وإنصرفت حرجا من عينيها اللتان تتبعاني ... في آخر الطريق لمحت عربة ذلك الرجل ... ينظر يمينا وشمالا ... إبتسمت في وجهه أداري خجلي من جهلي ... رد الإبتسامة مصبحا عليا...
صباح النور ... ماعندكش حاجة للبيع اليوم ؟؟
حاجة كيف شنوة ؟؟؟
أي حاجة تصلح ... آلات كهربائية ... كتب قديمة ... ملابس ... بلاستيك ؟؟؟
(... كأنه يصف الكراتين بالغرفة ... رحت أفكّر ولم أردّ عليه... )
شبيك ساكت ؟؟؟
لا شي ... كنت نفكّر ... تعدى غدوة الصباح تو نشوف شعندي
نجيك غدوة .... أما على شرط عاوني في السوم ... خليني ناكل معاك خبزة
لا إطمن مش حنختلف في السعر ... تعالى بكرة بس...
تركني واقفا ودفع عربته ... كل تفكيري إنصب في كيفية تعويض خسارة غياب الدكتور والولدين ... تلك المهملات تثقل على قلبي في الغرفة ... وستوفر لي بعض المال لو بعتها لهذا التاجر ... فهمت أنه ليس من عمّال البلدية ... هو تاجر يجمع ما يستغني عنه الآخرون ثم يبيعها أو يصلحها ... ماذا لو إكتشفت حبيبة الأمر وأخبرت السكّان ... سأكون قدّمت لها ورقة طردي من العمل بيدي ... سأفكّر بحلّ....
رجعت لمكاني قرب باب العمارة ... لا شيء في هذا المكان يتحرّك ... لا أحد يحتاجني ... صعدت للسطوح ... تأمّلت المكان ... الأفق كلّه جامد ... إلا من طائرة تشق طريقها عبر السحاب ...
دخلت الغرفة وبدأت أسحب الكراتين خارجها أرصفها تحت الحائط ... قسّمتها أكداسا حسب محتوياتها ... الكتب لوحدها ... الملابس القديمة لوحدها ... اللعب في مكان آخر... آلات كهربائية قديمة لا تحصى ... مسجلات ... تلفزيون قديم ... لواقط فضائية ... بالإضافة لكيلمترات الأسلاك الكهربائية...
كنت منهمكا بلف شبكة من الأسلاك ... أصابع تزيّنت أظافرها بطلاء أحمر تقف أمامي ... رفعت رأسي تدريجيا ... قدمان متينتان ... قصبتا رجل متوازيتان ... ركبتان مدورتان يتلامس جلدهما الناعم مع قماش أبيض ...
رفعت رأسي فجأة وقد تملّكني الرعب ... حبيبة تقف أمامي تراقب ما أفعل ... إلتقت عيني المرتعشة بعينها المكتشفة ... كنت انتظر النهاية من شفتيها ... شفتاها اللتان إبتسمتا لي ...
تلك البسمة أعادت الدم لعروقي ... نهضت أقف على قدمي ... تقابلت عينانا ... لم أستطع الكلام فبادرتني هي ...
صباح الخير ... فاش تعمل ؟؟؟
لا أبدا ... كنت بنظّف الغرفة ... أصل الكراتين مش بتخليني أتحرّك على راحتي
أحسن حاجة عملتها ... قلتلهم من بكري تخلصو منها
يعني أعمل فيها إيه ؟؟؟
لوّحهم ... أرميهم في مكب الزبلة وإرتاح ورتحني...
يعني والسكان مش حينزعجو لو رمتهم ...
ينزعجو ليه ... دول مرميين هنا من قبل ما أجي أشتغل هنا ... أصلا هما بتاكثرو لوحدهم ... كل سنة بيزيدو ...
لو حابة كده ... تحت أمرك (كنت سأطير من الفرحة أن الأمر كان بتلك السهولة)
باهي إيجا حاجتي بيك في قضية ...
تحت أمرك ... كل طلباتك أوامر
بطّل الأدب المبالغ فيه داه (ضربتني على كتفي بلطف وسبقتني للسلّم ضاحكة)
نزلت خلفها السلّم ... كانت تنظر خلفها نحوي كل حين ... بدأت أخاف منها ثانية ... تريد أن تضبطني أتلصص عليها .... دخلت الشقة خلفها بهدوء تطبيقا لحركة إصبعها الذي وضعته على شفتيها ...
ورقة صغيرة من الطلبات الكثيرة ... وورقة نقدية ... طرت نحو المغازة ... تجوّلت في تلك النواحي إكتشفت السوق ومحلات الجزارة ... الخضروات ... هي تشبه الأسواق التي رأيتها في أرجاء العاصمة في الأحياء الشعبية ... لكنها نظيفة ومرتبة أكثر ...
رجعت بسرعة البرق سعيدا بنجاحي ... وضعت الطلبات على الطاولة والباقي ... لم أفكّر في الحصول على قطعة منه ... تنازلت عنه لحبيبة ... وصعدت للسطح ... أخرجت كل محتويات الغرفة ...
لحقتني حبيبة تحمل سطلا وممسحة ... أصّرت أن تنظّف هي الغرفة بيديها ... لم أستطع إقناعها رغم محاولاتي ... إنشغلتُ في ترتيب الكراتين بينما تركتها تعمل...
سمعتها تناديني من الداخل ... وقفت طويلا أراقب شكلها ... تنورة سوداء قصيرة يكتنز لحم فخذيها الطريين تحتها ... تيشرت أبيض شفاف تطلّ من تحته حلمات صدرها البنية دون خجل ... لقد تخلّصت من الميدعة البيضاء التي كانت تخفي جمالها تحتها ...
جمالها هزم خوفي منها ... أطلت الوقوف عند الباب ... لم تستمع ركبي لطلباتي عقلي بالتحرّك ... طلبت مني أن أنظف بعض بقايا العنكبوت في أركان السطح ... قالت أني أطول منها وسيكون الأمر سهلا ...
إستعنت بذلك الصندوق لأعتلي عليه ... بدأ الصندوق يرتجف من تحتي ... كدت أقع من فوقه ... تقدّمت حبيبة وسندتني خوفا عليا ... يدها تلامس بطني ... حرارة جسدي بدأت ترتفع كالحمى ... دون أن تشعر لامست أصابعها حلمة صدري...
إرتعاش الصندوق تحتى كان أهون من رعشة القشعريرة التي هزتني ... تسع على سلّم رشتر عطّلت عمل أعضائي ... أنهيت تنظيف ذلك الجزء بسرعة ... نزلت متحاشيا أن ألتصق بها أكثر ... حاولت جاهدا أن لا أرتعش في بقية أرجاء الغرفة ... لم أرد على أسئلتها لم أسمعها أصلا ... الحرارة ولّدت طنينا أصمني...
إحمّر وجهي وإحترقت خدودها ... حملت معداتها وإنصرفت ... لم تودعني ولم تكلّمني ... كنت متأكدا أنها ستغضب مني ... إنتصاب قضيبي لا يمكن أن لا تكون قد لاحظته ... غصصت بمرارة الخجل ... ماذا ستقول عني ؟؟؟...
مرت بقية ذلك اليوم و ضميري يخزني كلما تذكّرت ذلك الموقف ... حبيبة سيدة محترمة ... أكبر مني سنا بكثير ... ربما أنا أخطات التقدير ... هي تتقرّب مني كأخ صغير يونس وحدتها ... ربما تشعر أننا ننتمي لنفس الطبقة ... لم تكن تريد الشرّ لي ... ولا يمكن أن تنظر سيدة بجمالها وفي سنّها لمن هو مثلي...
إنتظرت قدومها ليلا ... عبثا ... لم تناديني حتى لأخذ طبق العشاء ... عقوبة صارمة منها على فعلتي ... لم أفعل شيئا بمحض إرادتي ... لمساتها البريئة هي من فعلت بي ذلك ... أغمضت عيني محاولا النوم ... بطني الفارغة بدأت تقرصني ... ندمت على فعل لم أرتكبه
خنقني الندم حتى طار النوم من عيني ... السيدة فريال تشاهد التلفاز في الصالون ... هي أيظا تفكّر ... دخلت المطبخ دون إحداث جلبة ... وضعت كأس الشاي على الطاولة ... وتهت في التفكير ...
بدأت أجلد نفسي على تسرّعي ثانية ... كيف يراني ذلك الشاب ... كنت قررت صرف النظر عنه ... من تجاهلني في المرة الأولى لن يرضخ في الثانية ... لم أستطع كبح جماح نفسي ... نظراته لقدمي أثارتني ... هدمت كل سدود المقاومة في روحي ... نظراته وهو يرمقني في غرفته تخرق صدري ... رعشته أول ما لمست يدي صدره ... هي نفس الحركة التي صدرت عن حبيبي منذ سنين خلت ... تلك القبة تحت بنطاله سحرتني ... سحبت عقلي وتفكيري ...
بين منذر هذا ومنذر ذاك ... أشعلت سيجارة ... وحاولت عدم التفكيرفيه ثانية ... هل سأقدر ؟؟؟... هو يمرّ أمامي في كل مكان ... وجوده أصبح يأسرني ... وضعت يدي على خدي ورحت أتخيّل ليالي حمراء نذكي نارها معا ... في كل مكان ... في السرير ... في المصعد ... على السلّم ... تلك القبة تخفي كنزا ثمينا...
لم أستوعب بعد أن ذلك الشاب الصغير يرفضني ... ألم أعجبه ؟؟؟ ... لا أبدا لقد رأيت قضيبه ينتصب تحت بنطاله ؟؟؟ ربما كنت أتخيّل ؟؟؟ أحرقتني الأسئلة ولسعتني جمرة عقب سيجارتي ...
رفعت رأسي من على الطاولة ... مدام فريال تنظر لي بحنيّة مستفسرة عن سبب حالتي ... رأسها يطلّ من باب المطبخ ... تقدّمت نحوي بخطوات هادئة ... سحبت كرسيا وجلست تقابلني ...
مالك يا حبيبية فيه إيه ؟؟؟
حتى شي ؟؟؟ عادي ؟؟
إيه هو إلي عادي ؟؟؟ بقالك يومين ساكتة ومبلّمة وحزينة ؟؟؟
شي ... حاسة روحي مخنوقة شوية ؟؟؟
خير ؟؟؟ إحكي يمكن أقدر أساعدك ؟؟؟
إنت إلي فيك مكفيك ؟؟؟ باش نزيدك همي معاه ؟؟؟
إنت مش بتقولي إني أنا زي أختك ؟؟ همنا هم واحد
مش هذا الموضوع ... إنت مهمومة خلقي ... مش ناقصتني...
يا بنت إحكي ... فيكي إيه ؟؟؟
قتلك شي ... تخنقت من الوحدة والفراغ ... الروتين ...
يعني وكل داه حسيتيه من يومين ؟؟؟
مش بالضبط ... بس إحساس بالوحدة خانقني
طب ما تخرجي تغيري جو ؟؟؟
أخرج ؟؟؟ أروح فين ؟؟؟
وين يجي ؟؟؟ إمشي أعمل دورة في الأسواق ؟؟ أعمل قهوة ؟؟ شوف العباد ؟؟؟
إنت تعرفي إني ما بحبش الأسواق والقهاوي ... وكمان أنا ما بعرفش حد أرحله
هو لو خرجتي بس مرّة حتتعودي ... حتعرفي ناس ... وكمان البيت مش محتاج إنك تقعدي فيه على طول ...
لا لا سيبني هكا ... تو نتعوّد و وبعد نوحل...
لا عادي .. كان تحب تخرج ... تنجم تخرج وقت تحب...
طيب ما تيجي نخرج مع بعض ؟؟؟
يا سلام ... وتوفيق نسيبو مرمي هنا لوحده ؟؟؟
صح هي مشكلة ...
الواضح إنها مشكلتك إنتي ومش حابة تتكلمي ... أقوم أنام....
تركتني مدام فريال لوحدي ... يبدو من ملامحها ونبرة صوتها أنها غاضبة ... شعرت بذلك لكن لم يكن بوسعي البوح لها ... ماذا سأقول ؟؟؟ ... أنا معجبة بمنذر ؟؟؟ ... والأدهى أني لا أعجبه ؟؟؟ ... هذا سرّ أخجل من البوح به لنفسي...
كنت على قاب قوسين أن أخبرها لكني تراجعت ... علاقتي بمدام فريال شبه رسمية رغم أنها سيدة ودودة ... ربما تقاربنا في السن فرض ذلك ... لكن لم أتخيّل أن أشاركها مشاعري ... هي ليست مشاعر ... هي رغبة تتقد كلما نظرت في وجهه...
ربما أسترجع ذكرياتي مع حبيبي فيه ... الشوق لحضن دافئ ... لعضلات شابة ... للمسات تستكشف الدنيا بين ثنايا جسدي ... شعور عجزت عن تفسيره لنفسي فكيف سأشرحه لغيري ... أنا أصلا لم أشارك أبدا في حياتي أحدا في ما أحس...
جرفني التفكير ... يجب إنهاء الأمر ... سأحاول أن أغلب رغبتي وينتهي الموضوع ... سأعود كما كنت فلا فريال تنزعج ... ولا منذر يضطرب ... ولا أنا أتألّم....
لكن هل سأقدر ... إستجمعي قوتك ... أنت التي تركت حبيبها وغادرت دون وداع ... أنت التي عافرت الزمن وغالبت أمواج الحزن ... ربما هو الفراغ العاطفي والجسدي من يقودني .... تركت المطبخ ... ودخلت غرفتي ... تخلّصت من ثيابي كلّها .... ودلفت سريري .... أستجدي نوما ينقذ عقلي من التفكير
أغمضت عيني محاولة النوم ... شيء ما يبدو غير طبيعي في ما يحدث ... حبيبة متغّيرة منذ أيّام ... منذ إصابة توفيق وهي على غير طبيعتها ... تائهة تفكّر ... فيما تفكّر .... كنت متأكدة من يوم دخلت بيتي أنها تعمل لصالح إخوة توفيق ... لم تترك البيت لحظة منذ دخولها .... تراقب حركاتي ... تتابع دخولي وخروجي ... لم تأخذ يوم راحة ... إصرارها على رفض عرضي بالخروج للتنزه وتغيير الجو يؤكد شكوكي...
هي موفدة من قبل أحد إخوة توفيق ... تتجسس عليا ... تنقل أخباري لهم ... إصرار توفيق على تعيينها معينة في البيت رغم أني لم أطلب منه يوما ذلك ... منذ دخلت البيت وأنا متوترة .... لم أجد معها وسيلة ... لصالح من تعمل ؟؟؟؟
سؤال لم أجد له إجابة ... كنت دائمة ودودة معها أعاملها كأخت علّها تميل لصالحي ... خلت أن كرمي معها سيجعل ولاءها لي ... لم أنجح بعد في ما أخطط له...
ضوء رفاف يخرق ظلمة الغرفة .... رفعت عيني للسقف ... رائحة الأدوية التي طالما خرقت أنفي ... نفس الرائحة منذ دخولي لهذا البيت منذ 5 سنوات ... نفس الدهان والأثاث والألوان ...
توفيق ينام في سريره الطبي ... نصف حياتي معه في المستشفيات ونصفها أمرّضه في البيت ... لم يكن يوما سيّئا معي ... رغم بخله لكنه لم يحرمني من شيء يقدر على توفيره ... الملابس ... العطور ... المجوهرات ... لكن ما نفعها ... لمن تتزين المرأة إن لم يجاورها رجل ... رجل يهز كيانها ... يرجّ دمها ... تئن تحته ... يخرق هدوء جسدها يلهب نارها ... نار لم تزل تشتعل بداخلي منذ طلاقي من زوجي الأوّل...
كان رجلا ... أو لنقل ذكرا بحق ... ليالي طويلة لم أجد فيها الفرصة لإراحة رجليا من التعلّق في السقف ... رغم كل ما فعله بي فإني أحن إليه ... أموالي وبيتي وكل ما ورثته عن أهلي ضاع وراء مغامراته ... بورصة ومشاريع فاشلة ... مطعم ثم كافيتيريا ثم مقاولات ... بددت وراء أفكاره مالا لا يحصى ولا يعد ... كان يقودني بزبه ... نعم بزبه .... لم أكن أستطيع رفض طلباته ... كنت أخشى أن أحرم من تلك المتعة ... متعة لم أذق مثلها رغم مغامراتي العديدة قبله...
تقلّبت على سريري أشيح بوجهي عن شبه جثّة توفيق ... نظرت نحو الشباك ... نور خفيف يجاهد ليخترق ستائره ... نور إشارة بنفسجية شفاف ... نفس النور الذي إنعكس على قميصه الأبيض يوم قابلته أوّل مرّة ... في علبة ليلية ... حياتي كانت ملاهي وعلب ليلية ... كافيهات وطاعم والشلّة ....
أفيق من نومي عند العشاء ... أتقابل مع شلّة بنات من طينتي ... نذهب لأحد الكافيهات ... ندخّن ... نأكل ... نسهر حتى يقترب منتصف الليل ... ثم نلج ملهى ليلي صرنا أحد أعمدته ... طاولة خاصة بنا تتصدّره ... نشرب حتى نثمل ... نرقص حتى ننهك ثم أفيق لأجد نفسي بين أحضان شاب ... شباب الملاهي أغلبهم من الطبقة الراقية ... رخويات في شكل بشر ... نحن رخويات وهم رخويات ... لا نعمل لا ندرس لا نفكّر ... فقط نصرف ما يجنيه أهلنا ...
مروره أمامي يعانق فتاة أجنبية سحرني ... كرهتها ... وعشقته ... حفت رجلي للوصول له ... شاب صلب ... يدرس ويعمل ويسهر ويخرج ويجتهد ... يمتعن عمل التبزنيز ... دولاب كامل كان يدور حول السياحة أيام كانت عندنا سياحة ... شبّان يعتمدون الوسامة طريقا ... يتعرّفون على الأجنبيات ... يتقنون كل لغات العالم نطقا ... يتقربون منهن ... يقضمون أموالهن ... يوفرون لهن ما جئنا لبلدنا بحثا عنه ....
جاذبية عنيفة جعلتني ألتصق به ... عضلاته صلبة ... رقبته متينة ... أكتافه عريضة .... وسيم لدرجة لا تقاوم ... لم يقاوم عرضي بالزواج منه ... لم يمنعني أحد رغم أن الكل عارضو ذلك ... كنت أعشق تراب رجليه ... فوضع التراب على رأسي...
ينيكني ليل نهار ... متعة نيك الليل تنسيني خيبة نيك النهار ... في الليل ينيك جسدي وفي النهار ينيك أموالي ... ثروة كنت أتباهى أمام صديقاتي بأنها لا تنفذ ... لكني أخطأت هن لم يكن صديقات و ثروتي تبددت ... ذابت ... أحرقتها نيران عشقي لرجل مغرور غبي ... لكنه كان رجلا ... بالمعنى الجسدي...
يوم نطقت القاضية حكم الطلاق وصلني إعلان من محكمة أخرى بالحجز على قصر والدي ... نعم قصر بأتمّ معنى الكلمة ... لم يكن هناك من بد سوى الطلاق ... إنتهت الأموال وفشلت مشاريعه تباعا ... فإنتهى الحب ... وبالطبع إنتهى الجنس ... كثيرا ما سمعت أن ملايين الرجال حطّمتهم أزبارهم ... أنا فقط من دمرها كسّها ... كسي الذي إقتصرت علاقتي به الآن للدخول للحمام ... رغم أن ناره لا تنطفئ ... إنتقام منه تركته يشتعل ... يغلي ... علّه يتوب .... لم يقف بجانبي أحد ... تخلّى عني العالم ... فقط توفيق هو من ساندني ... لم أجد حلا سوى الزواج به ... وإن كنت يوما أناديه عمي ... كان صديق والدي ... وإن كانت ثروته لا توازي ثروة أبي لكنه من أثرياء القوم ... زواجي منه كان لحفظ ماء الوجه أمام المعارف ... لكني سيرتي بقيت تلاك في جلساتهم ... إعتزلتهم رويدا رويدا ... ثم إعتزلت العالم...
هذه هي حياتي ... من تبعت قلبها لترضي كسّها ... خسرت كلّ شيء ... زوج عجوز و إبنة تذكرني بخيبتي مع زوجي الأوّل ... لقد فشل في كل شيء حتى في أن يزرع في بطني بذرة سليمة ... مشاكل ذهنية ومشاكل في النطق...
منذ تعكّر حالة توفيق بدأ إخوته يتحلّقون حوله ... يحومون حولي ... لو علموا أنه تنازل لي عن كلّ ممتلكاته ستكون نارا وأضرمت حولي ... من سيقف معي ضدّهم ... توفيق لم ينجب رغم تعدد زيجاته سوى بنت تركته وهربت بعد إنتحار أمها منذ أكثر من عشرين سنة ... عاهدته أني سأحافظ على ثروته لحين عودتها لو عالجه الموت ... عهد قطعته أمامه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ... لكن بمجرّد آن أمضى ذلك العقد حتى نسي ملك الموت مهمته ... أصلا صار يقوم بأعمال الصيانة بنفسه ويمارس رياضة المشي ... ومادام حيا يمكنه التراجع في العقد ... وإن مات موت غير طبيعي لن يتهم أحد غيري بقتله ... صرت مرعوبة من ذلك ... إخوته ذوو نفوذ وأنا وحيدة لا سند لي...
هكذا سرقت سنوات عمري وأنا أمرّضه وأحرص عليه ... فجأة دخلت حبيبة هذه حياتي ... لم أضبطها تفتش أوراقي ... لم أرى منها ما يؤكد شكوكي لكني متأكدة أنها موفدة مدسوسة عليا من قبل إخوته ... لم أفهم لماذا ؟؟؟ لا سبب مقنع رغم أن تصرّفاتها كلّها طبيعية لكني أشك فيها ... نور أحمر يضيء من سرير توفيق يعلمني أن كيس السائل المغذي يكاد ينفذ ... قمت متثاقلة لتغييره ... لون توفيق شاحب جدّا ... كسر في الحوض مع كلّ تلك الأمراض لن ينجو منها ... ولن أترك ذلك الشاب يغادر حتى أتأكد أن كل شيء سينتهي لصالحي ... هو من أحضره مصابا ... شاهد إثبات ونفي لصالحي ... كاميرات المراقبة تؤكّد ذلك ... إن حوّل إخوته القضية لقتل من أجل الإرث ... سيحمل هو وزرها أو يؤكد سلامة موقفي ... مسكين ...
لست شريرة لكنها آخر رصاصة في جيبي ... حقيقة أتمنى أن ينتهي الأمر بسلام ... لا أريد الضرر لأحد ... كلما ذكرت إقتراح حبيبة بأن نعينه حارسا بالعمارة ... يرقص قلبي طربا ... لا هذه العمارة ولا مثيلاتها تحتاج حارسا ... هذا ما قاله توفيق عندما طرد الحارس السابق ... لكني وافقت ... وجوده ضروري إلى أن ينتهي الأمر ...
فقط هي حبيبة من أخشاها ... أه لو تفتح قلبها لي ... لو تصارحني بما يخططون ضدي ... سأكافئها حتى تنسى الفقر ... لكني لا أضمن ولائها ... أصلا أنا لا أصدّق أنها معينة منزلية رغم براعتها في عملها ... لكن عينيها تقول أنها من طينة أخرى ... تراقبني بعين ثاقبة ... تتملى في كل تفاصيلي ...
إحترت ماذا أفعل ... لمن ألجأ ... من يريح قلبي ... رحت أجول بممر البيت ... دخلت الصالون ... المطبخ ... غرفة إبنتي ... ملاك مسكين ينام غير مبالي بما يعتريني ... جثة هناك وجسد بلا روح هنا ... دخلت سريرها ... هي جميلة رغم كلّ شيء ... تخيلوا أمّا لم تسمع كلمة ماما ... وزوجة بلا زوج ... وغنية بلا ثروة ... ما هذا الوضع ... أغمضت عيني .... صوت الفجر يحث الكون على النهوض...
على صوت ينادي من مئذنة بعيدة فتحت عيني مثقلا بأفكار حوّلت سريري لأشواك ... ذكرى ما فعلته بحبيبة أو ما فعلته بي قض مضجعي لم أستطع النوم إلا النزر اليسير ... عليا إصلاح الأمر ... يجب أن أصالحها ... يجب أن أجد طريقة للإعتذار ... لم أفعل شيئا قصدا ... هي إمرأة ناضجة وستفهم ... قمت متكاسلا ... بعض الماء البارد على وجهي أطرد به كسلي ... لبست ثيابي وخرجت ... حملت الكراتين ... وضعتها تباعا أمام المصعد في الطابق الثالث ... عيني تراقب باب شقة فريال ... تمنيت خروج حبيبة لتنهي ألمي ... سأعتذر منها ... سأقبّل قدميها أن تسامحني...
تطلّب مني إخراج الكراتين وقتا وجهدا طويلا ... نقلتها قرب مدخل المجمع ... وعدت أرابط مكاني ... الشمس برزت في السماء ولم يخرج احد من العمارة ... ولا من العمارات الأخرى ... لم أفهم السبب ...
لمحت صديقي تاجر الخردوات يقف قرب باب المجمع ... هرولت نحوه ... إستبشر بوجودي بعد يئس ... راح يقلّب ما وضعته أمامه ... بدأ بالآلات الكهربائية ... يضعها ثم يكتب في ورقة صغيرة ... رصفها بعناية ... ثم كراتين الملابس .. ثم الألعاب ... حاول جاهد إيجاد مكان للكتب والأوراق...
راح يعد ويحسب ... يجمع ويضرب .. بدا وجهه يتقطّب ويعبس قليلا ... ظننت أني بضاعتي لم تعجبه ...
شبي خويا ؟؟؟ لاباس ؟؟؟
لا لا مافيش حاجة ؟؟؟
شايف وجهك تبدّل ؟؟؟ شفما ؟؟؟
لا أبدا ما فيش حاجة ؟؟؟ بس في مشكلة صغيّرة...
شفمّا ؟؟؟
أصلي ما كنتش عامل حسابي في السيولة الكافية (سحب من جيبه رزمة أوراق نقدية وراح يعدها ... وضعها في يدي) دول 300 دينار ... والباقي حأدفعو على مرتين ثلاثة ... موافق ؟؟؟
(لويت شفتي أن لا ضرر ... أصلا كنت مصدوما من قيمة تلك الخردوات) خوذ راحتك خويا ... الناس بوجوهها
أصلا إنت وشك أحسن من فلوس الدنيا ... بكرة أوزن الكتب وأبيعها واحاسبك ... وعشان موقفك ده مش حآخذ نسبتي ...
وحدك يا معلّم ... تحب نحضرلك حاجة أخرى
مش دلوقتي ... خليني أتصرّف في دول ونتحاسب وبعدين نشوف
مشات معاك
تركني وعربته تئن بحملها الثقيل ... قلّبت الورقات النقدية ... رحت أركض وأقفز فرحا .. تشقلبت على عشب الحديقة ... لم أصدّق أني أمسكت بين أصابعي مبلغا كهذا ...
بدأت بطني تقرصني من الجوع ... الحي فارغ إلا من ظلي .. ركضت نحو المخبزة ... المال يعطيك جناحين ... روحي تطير فرحا ... قابلتني البائعة بسرور العادة ... كانت لوحدها ... إخترت بعض المرطبات ... لفتها لي ... جوعي دفعني لقضم أحدها ... أشارت لي بالبقاء لتناول فطوري ...
قدّمت لي كأس عصير من وعاء يدور أمامها ... وجهها جميل ... قصيرة القامة ... مملوءة قليلا لكنها ليست سمينة ... إستغلّت إنعدام الزبائن في ذلك الوقت وتقدمت نحوي تسألني من أكون ... حصّة تعارف قصيرة ... إرتحت لتلك الفتاة ... شعرت بالألفة نحوها ... ربما لتقارب الوضعيات ... تذكّرت حبيبة ... يجب الإعتذار لها ... هدية قيمة ربما تنسيها ما حصل ... تجرّأت وسألت صديقتي الجديدة ... قالت بخجل أن علبة مكياج وزهرة تفي بالغرض ... ربما علبة شكولاطة ... أنكرت إقتراح العطر ... قالت أنه يفرّق الأحبة ... خرجت معي ترشدني لمحلّ سأجد فيه ضالتي...
توجهت نحوه ... سكان العمارة في سبات ... اليوم عطلة نهاية الأسبوع ... لا أحد يعمل ... دخلت المحل المحدد ... روائح شموع عطرة تسحر القلوب ... بائعتان أنيقتان ... استقبلتاني بترحاب رغم إمتعاضهما من شكلي .. طرحت عليهما طلبي ... وضعت إحداهن أمامي صندوقا على شكل قلب حب أحمر ... كريمات ترطيب ... مكياج ... علبة عطر صغيرة ... قالت أن سعره مناسب ... لم أهتم ... المهم أن يعجب حبيبة وتسامحني ...
دفعت ثمنه ورحت أراقب دقة عمل البائعة وهي تغلّفه ... همهمات ساخرة مني وصلتني رغم حذرهما وأنا أغادر ... رجعت للحي طائرا من الفرحة ... إعترضتني سيدة تجري ... لباس رياضي رمادي مخطط بالأسود .... وجهها شديد البياض رغم حمرة قليلة على الخدود بسبب الجري ... سمّاعات تتدلى من أذنها ... صدرها يهتز مع كلّ خطوة تخطوها ... إهتزاز دغدغ ما بين فخذي ... تنفست الصعداء عندما مرّت بجانبي ولم تلاحظ وجودي أصلا ... إن كانت الخادمة كلّفتني ربع ما أملك علّها ترضى ... هذه ربما أبيع إحدى كليتي ولا أوفي ثمن إرضائها ... يجب إيجاد حل لقضيبي هذا...
صعدت للغرفة وصورة الثديين يهتزان أمام عيني ... أخفيت الهدية ورجعت أرابط قرب الباب ... جلست على الكرسي أراقب تلك الفاتنة تلف ركضا حول الحديقة ... إهتزت الدنيا من حولي مع إهتزاز ثدييها وهي تقفز درجات السلّم قرب الباب ... عينان ناعستان رمقتني بهما وصوت عذب وصل مبتسما لأذني " صباح الخير " ... تصلّب لساني ... ربما نطقت بالرد على تحيتها وهي في بيتها ... إبتسامة سحرتني .... جلد أبيض ناصع حرق بصري بمرور زندها الطري أمامي ... من تكون ؟؟؟ لم أرها سابقا ؟؟؟ أين تقيم بالعمارة ؟؟؟ ... صوت نداء من الجهاز أفزعني ... حبيبة تطلب مني الصعود ... دخلت الشقّة وجلا ... قابلتني ببرود شديد ... هي تدبّر لي أمرا ... قالت أن اليوم يوم عطلة يمكنني الراحة قليلا ... ثم وضعت في يدي ورقة طلبات من السوق ... قالت أنها ليست مستعجلة ...
خرجت وقد ملأني الرعب ... حبيبة تدبّر لي أمرا يجب معالجة الموقف .... ساقتني قدمي لا أدري أين ... كنت كأطفال تلك القصّة أعلّم طريق عودتي بعلامات خشية الضياع ... على مسافة ليست بالبعيدة ... يسكن بعض الشعب ... أناس مثلنا ... جلبة وضوضاء ... حركة وحركية ... صراخ ولعب ... مقاهي تنصب كراسي على ناصية الطريق ... وجوه روّادها مشققة أكثر من أرصفة الطرق ...
توقّفت كثيرا أمام محلّ حلاّق ... شعري طال حتى صار يؤلمني ... بعض شعيرات بدأت تغزو ذقني ... كان المحلّ فارغا ... لم أشعر إلا بصوت يسحبني للداخل ... ثلاثيني يستقبلني بترحاب شديد ... نبرة صوته أقرب للأنثى منها للرجل ... أجلسني على الكرسي ... بدأ يمطط عضلاتي ... حركات يديه الرقيقة لا تعكس القوة الكامنة في أصابعه ... إستسلمت له غصبا عني ... فقط طلبت منه أن يحسن عمله ... تهلل وجهه لثقتي به ...
أعمل المقص وآلة القص في شعري ... موس الحلاقة يمر على جلد خدي ... قناع أسود على وجهي ... *** وطين وروائح تدخل منخاري ... طال عذابي تحت يديه ... رفعت رأسي من المغطس محاولا إرضاء فضولي مطلا من تحت المنشفة التي يمسح بها شعري ... أتم تسريح شعري وتثبيته بمادة لزجة ...
لم أعرف نفسي ... وسيم وجميل ... هكذا قال الحلاّق ... وقفت طويلا أمام المرآة أراقب التغيير في وجهي ... تغيير أسعدني ... سعادتي قادتني لمحلّ ملابس غير بعيد ... أسلوب جميل وخبيث إعتمدته ... من لا يعرف ما يفعل يترك غيره يفعل له ... فقط إمدح ذوق الآخر وسترى العجب ... هكذا كان البائع يتفانى في توليم الملابس على قياسي وذوقه ... أسعاره مقبولة رغم أن بضاعته جيّدة ... أعطاني كيسا فيه شمبو وعطر وآلات حلاقة وصابون ومثبت شعر ... لا أعلم السبب لكنه قال أنها هدية من المحلّ ... طرت للبيت مثقلا بأكياسي وأكياس طلبات حبيبة ... ما جنيته صباحا أنفقته مساءا ... لم يتبقى لي سوى ثمن علبة سجائر ... إشتريتها وإنتهى موضوع المال ... رغم فلسي كنت سعيدا ... دخلت شقّة فريال ... حبيبة مشغولة بالمطبخ ... لم تلتفت نحوي ... وضعت الطلبات فوق الطاولة ... وخرجت مسرعا ... صعدت غرفتي قفزا...
نزعت ملابسي إستحممت ... أوّل مرّة أستعمل الشامبو ... شعري ناعم جدا ... وجهي ناعم جدّا ... حلقت إبطي ... نظرت ما بين فخذي ... غابة من الشعر الكثيف ... لم يتبقى سواك ... سأحلقك ... كانت هذه أوّل مرّة ... دهنت المكان بالصابون جيّدا إستعملت آلة الحلاقة بحذر ... أعتقد أن الشعر كان يقلل من حجم قضيبي ... تغيّر شكله كما تغيّر شكل صاحبه ... تنشّفت ... لبست بوكسرا جديدا ... ودعت ثقوب الزمن في القديم ... تيشرت أبيض عليه رسم نسر لمّاع ... بنطلون أسود من القطن ... جوارب بيضاء ناصعة ... إستعملت المثبت سرّحت شعري ... تعطّرت ... وقفت أمام المرآة ... عضلات صدري بارزة كتفاي مشدودان للأعلى رقبتي ناعمة نعومة الحرير ... شعري منسدل على جنب كبطل أفلام إيطالي ... كرة صغيرة بين فخذي ... لم أهتم للأمر ... حتى مؤخرتي شكلها جميل ...
حملت الهدية مستجمعا شجاعتي ... ضغطت الجرس ... ثواني الإنتظار مرّت عليا دهرا ... صوت حبيبة يأتي منزعجا لما علمت أني بالباب ... عيناها في الأرض غضبا مني ... بدأت ترفع رأسها ... فمها يفتح تصاعديا مع نظرها ... تراجعت خطوة للوراء ويدي خلف ظهري ...
يخرب بيتك ما عرفتكش ؟؟؟
شقوّلك فيا ؟؟؟
يخرب عقلك ؟؟؟ دا إنت بقيت مز يا ولد
مش لهاك الدرجة ... شوية ريق وبرّة
وبقيت تعرف تتكلّم كمان ...
مالى شتحسابني ... (لم انتظر ردّها ... سحبت الهدية من خلفي ووضعتها بين يديها)
إيه دي ؟؟؟ (لم تأخذ العلبة من يدي بعد)
هدية مني ليك ؟؟؟
(حرّكت رأسها مستفسرة عن السبب) بمناسبة إيه ؟؟؟
لازم بالمناسبة ... هدية ... البارح في الـ...
لم أنهي كلمتي حتى إرتمت تحضنني بعنف ... صدرها الطري غرس في صدري ... نبضها يحرق دمي ... أنفاسها تلهب جلد رقبتي ... يدها تداعب ظهري ... كل هذه الأنوثة تحتك بي ... النتيجة إنتصب قضيبي ... لو إنسحبت هدمت ما بنيته ولو بقيت تأكدت من أن ما حصل أمس لم يكن حادثا عرضيا ... لم أعلم ما أفعل فبقيت على حالي ... صوت فتح الباب خلفي دفعها للهرب للداخل ... إرتبكت من حركتها والصوت معا ... إلتفت خلفي ... مع فتح الباب أطلّت مدام سهام برأسها ... نظرت نحوي ... قاستني من الأعلى للأسفل ... ثم أغلقت الباب بسرعة ... لم افقه ما عليا فعله ... ركضت نحو المصعد ونزلت للأسفل ... توجهت نحو المقهى ... إقتربت منها ... ذلك النادل يحييني من وراء الزجاج ... لا أعلم هل ذكرني أم أن شكلي الجديد أوحى له أني زبون ... دفعت الباب ودخلت ... المكان فارغ تماما ... عرض عليا شرب قهوة لكني إعتذرت ... لا أملك مليما واحدا ... قال أنها على حسابه شرط خدمة أقدّمها له ... بعض الكراسي والطاولات القديمة يريد التخلّص منها ليفسح مجالا يحفظ فيه بضاعته ... وافقت دون تردد ... كدّستها قرب مكب الفضلات محاذرا توسيخ ملابسي ... إحدى الطاولات وبعض الكراسي سليمة ... لكن لونها تغيّر ... إستخسرت بيعها فحملتها للسطح ... وضعتها في وسطه ونظمتها بعناية ....
رجعت للمقهى ... حملت فنجان قهوتي ... جلست قرب التلفاز ... أشعلت سيجارة ورحت أتابع برنامج وثائقيا عن الغابات ... شخص يبني بيتا من الشجر والتحدي هو أن يعيش أسبوعا دون مساعدة ... ما يعتبره تحديا هو الحياة اليومية لأهل قريتي ... دخل رجلان أصلعان يبدو أنهما مهمان ... طلبا من النادل تغيير القناة ... قناتنا الوطنية الثانية تنقل مداولات مجلس الشعب ... الحق يقال أن الشعب لم يعد يجد مجلسه في مجلسه ... رحت أتابع دون إهتمام ... بدأت ذكريات ذلك العناق الحميم تسرقني ... خفق قلبي بقوّة لما تذكّرت مدام سهام ... هل رأتني أعانق حبيبة ؟؟؟ ... لو أخبرت مدام فريال سنكون كلانا في الشارع صباح الغد ... ندمت على إنفاق كل مالي ... القهوة بدأ طعمها يصبح اكثر مرارة ... رفعت رأسي للتلفاز ... وجه مألوف يلقي كلمة ... كلامه يبدو ناريا ... يهاجم الجميع ... الحكومة والمعارضة والشعب معا ... نعم إنه هو ؟؟؟ الدكتور ... ساكن الشقة 5 ... زوج سهام ؟؟ ... هل هو نائب موقّر ... مباشرة لعبت أحلام اليقظة في رأسي ... ربما لو تقرّبت منه سيساعدني بحكم موقعه لإيجاد عمل قار ومسكن آخر ...
بدأت شمس هذا النهار العجيب تغرب ... منتشيا بشكلي الجديد ... رحت أجول بجانب الحي ... أكتشف المكان ... أو ربما أسمح للمكان أن يكتشفني ... بعض أحياء جهة الجنوب تشبه حينا ... نعم العمارة في تونس لم تتخلى عن طابعها الفينيقي ... وسط المدينة هو مركز الأعمال والمال ... السواحل تجتمع فيها قصور الحكام ... الأطراف شرقيها وجنوبيها للأعيان ... الشمال مسكن العمال وصغار الموظفين ... الغرب مسكن الفقراء والمقابر ... يعني موتى وهم أحياء ... إشارة جميلة للمستقبل وجيرة هادئة ...
رجعت العمارة ... لا حركة فيها ... كأن أهلها هجروها ... صعدت السطح تأمّلت الشمس وهي تغرب ثم دخلت غرفتي ... رتبت ملابسي الجديدة في الخزانة ... وضعت مستلزمات الحمام في مكانها ... نظرت لنفسي في المرآة ألاف المرّات ثانية ... كأني أتعرّف على نفسي من جديد ... بعض الملابس وتسريحة ... غيّرت شكل وقلبت كياني ... تذكّرت عناق حبيبة .... تنهدّت وأغلقت الباب ....
أغلقت الباب بقوّة ... قلبي يخفق بسرعة ... خوف وشوق وسعادة ... كلّها إجتمعت لتثير نبضي ... الدم يغلي في عروقي ... أوّل مرّة في تاريخي يقدّم احدهم لي هديّة ... هديّة أسرت قلبي كما أسرني شكله الجديد ... تسريحته ... ملابسه ... عضلاته ... رائحته التي ألهبت رغبتي لما عانقته ... هديته كانت بسبب ما حصل أمس ... هو تفاعل مع لمساتي ... ضحكت من نفسي وأن أتذكّر رعشة جسده بين يدي ... ولد قوي لكن تنقصه الخبرة ... دخلت المطبخ أحمل الهديّة ... فتحت غلافها ... شكل قلب الحب الأحمر لا يمكن تفسيره أني كنت مخطأة في الحكم عليه ... منذر تجاوب معي منذ البداية ... ربما خجله وقلّة تجربته جعلته يصدني ... ثم فكّر وقرر ... عندما إتخذت قرارا بتجاوز الموضوع من أصله ... أجده يقف أمامي متأنقا بعين حالمة يقدّم لي هدية ... تجاوب معي ... لا يهم إن كان متاخرا ... أحسست بإنتصاب قضيبه يحتك بأسفل بطني ... إشتعلت نار الرغبة في عروقي ...
أنهيت أعمال المنزل بسرعة ... المدام كعادتها تشغل نفسها بالتلفزيون ... أعددت العشاء ثم
دخلت الحمام ... نظّفت جسدي ... نفضت غبار السنين عنه ... أزلت بعض الشعيرات عن جلدي ... هذّبت شعر كسي ... إهتممت بحلاقته ... لبست أحسن ما عندي ... كيلوت حريري أبيض ... سوتيان يرفع همة صدري للأعلى .... فستان طويل رمادي ... فتحتان طويلتان حتى منبت الفخذين عن يمين وشمال ... تركت أزرار فتحة صدره مفتوحة ... سأفتح صدري للحياة ثانية ...
سرّحت شعري ... إستعملت الماكياج الجديد من علبة الهدية ... قطرات من العطر الجديد الأخّاذ تحت رقبتي ... وضعت أطباق العشاء فوق إناء كبير وفتحت باب الشقّة كفراشة يسحبها الضوء ... تقدّمت بخطى ثابتة في الممر ... نظرت لباب الشقّة المقابلة ... كأني أطمئن أن لا يفتح ثانية ويفسد عليّا فرحتي ... وضعت قدمي اليمنى على أوّل درجات السلّم المؤدي للسطح ... بدأ قلبي يخفق بقوّة ... لم أعلم السبب ... ربما خشيت أن يصدني منذر ثانية ... قررت أن أنتظر حتى يبادرني بحركة .... إشارة تؤكّد رغبته في ... لن أحرج نفسي مرّة أخرى... وصلت باب السطح ... طاولة وكراسي ... أوّل مرّة أجدها هنا ... باب غرفته مغلق ... وضعت الأطباق على الطاولة ... تقدّمت بخطى مترددة ... صارعت قبضتي التي أبت أن تطرق الباب ... لكنها إستسلمت أخيرا... صوت خافت يأتيني من الدّاخل ... إنفتح الباب قليلا ... عينا منذر تفتحان عن آخرهما وهو يتملّى في وجهي ... بدأ يكتشف جسدي من فوق الثياب ... إحمرّت وجنتاه لما تقابلت أعيننا ... حبس الكلام في حلقه ... أحسست بما يشعر به ... فبادرته بالكلام ...
يلى تعالى إتعشى ... إنت ما جعتش ...
... أنا شنموت بالجوع ... جيت في وقتك
(سحبته من يده نحو الطاولة ... إنتفض جسده لما لمست راحته) تعرف فكرة حلوة إنك عملت القعدة دي فوق السطح ... جبتها منين...
القهوة إلي مقابلة العمارة ... بدلو الديكور ... ياخي لقيت هاذي عجبتني ...
ههه أقصد الفكرة ... مش الطاولة ...
هههه الفكرة ... عندي ألف فكرة وفكرة ... غير الظروف ما تسمحش
بكره الظروف تتغيّر (سحبت الكرسي وجلست أقابله) تسمحلي أونسك...
تي أنا يحصلي الشرف إنك تقعد معايا ...
يا سلام ؟؟؟ ليه بقى ؟؟
وحدة كيفك ... أناقة وزين وعين وقد
كلامه جشعني ... لم يشجعني بل هدم كل فكرة للإنسحاب ... راح يشكر كرمي ... قال أنه لم يأكل مثل هذا منذ يوم عرس أحد أعيان قريتهم .... بساطته تأسرني ... تضحكني ... كنت أتابع حركاته بدقّة شديدة ... يلتهم الطعام كصائم منذ دهر ... تحدثنا في كل شيء ... تعمّدت أن أتركه يتحدّث ... يتكلّم كثيرا لكنه لا يقول شيئا ... خلال حديثه كان يسترق النظر لمفرق صدري ... نظراته تسببت في سيل بين فخذي ... مجرّد نظرات بسيطة أشعلت كياني ... وضعت مرفقي على الطاولة وراحتي على خدي كأني أركّز في كلامه ... عصرت صدري بين ذراعي ... كادت لقمة أن تحشر في حلقه عندما رفع عينيه نحوي ... لم يتمالك نفسه رغم محاولته عدم إستراق النظر نحوي ... لعبة جميلة ألهبت روح الجلسة ... تباطأت حركاته في المضغ ... كأنه لا يريد أن يفارق منظر صدري المقدم له في طبق حريري ... كنت أحس بعينيه تدغدغان حلمتي البارزتين بلمسة رقيقة ... بدأت سيول ما بين فخذي تزداد ... حركة إنفتاح دفتي كسي تطلب دخول زائر إشتاقت له ... لكني تمالكت نفسي ... سأنتظر حركة أخرى منه ... أنهى طعامه ... جمع الأطباق فوق بعض ... أراد غسلها لكني منعته ... لم أرد لعينيه أن تفارقا صدري ... ربما لو إبتعد لتراجع هو أو تراجعت أنا ... إستسلمت لتلك القشعريرة الجميلة تحرّك مسام جلدي كنسيم خفيف ... الظلام أطبق على المكان ... لم يعد بإمكانه التملي في مفاتن صدري ... تعللت بأن البرد بدأ يخز عظامي ... علت وجهه نظرة حزن أني سأفارقه ... إقترح عليا أن ندخل الغرفة لنحتمي من صقيع ليلة خريفية ... تصنّعت التردد ثم وافقت أمام إلحاحه ... إلحاحه يؤكّد قرب الفرج لفرجي...
جلس على سريره بينما سحبت أحد الكراسي ... جلست أقابله على بعد نصف متر منه ... أمسكت كأس شاي دافئ بين يدي ... خيبة أمل تعلو وجهه حين إختفى مفرق صدري بفعل تغيير الجلسة ... سرعان ما دبت الحياة في عروقه عندما وضعت رجلا على رجل ... إنحسر الفستان كاشفا كل قدمي وفخذي العاريين أمامه ... لم يجد مكانا يهرب عينيه من نور الجلد الأبيض أمام عينيه ... أحسست بحرجه ... يده تسلل بين فخذيه بحذر يعدّل وضع قضيبه ... راح يسألني عن سكّان العمارة ... محاولة ذكية منه لتغيير الموضوع ... أفرغت جعبة المعلومات له ... أعلمته بكل ما أعلم عنهم ... أعمالهم أصولهم ... أموالهم ... علاقاتهم ...كل ما أعرفه وضعته أمامه ... كنت أحكي له ويداه لا تنفكان تفركان بين فخذيه ... إنتهت فترة جس النبض ... هو يريد ما أريد لماذا العذاب ... وقفت وتوجهت للحمام كأني أغسل يدي ... عند عودتي لم أجلس على الكرسي بل جلست بجانبه ... كنت أواصل حديثي رغم مفاجأته لم يتحرّك ولم يعترض ... بدأت أزحف تدريجيا لألتصق به ... تلك السنتمترات القليلة كانت كمحيط يفصل بيننا ... تلامس جلد فخذي العاري بقماش بنطلونه الناعم ... أوّل لمسة كانت زلالا هز كيانينا .... وضعت يدي على كتفه ... بدت كحركة عفوية بين صديقين مقربين ... وضع رأسه في الأرض ... بدأت أناملي تمر بين خصلات شعره الناعمة ... نعومة جرحت صبري ... مررت إصبعي على رقبته ... على أذنيه ... كان يقبض بعضلات فخذيه على ما بينهما كأنه يحاول حبس مارد يريد الإنطلاق ... واصلت تعمّد تعذيبه ... أو تعزييب نفسي ... بدأت يدي تداعب عضلات ذراعيه ... ثم صدره ... لم يجد حلا سوى أن حشر يديه بين فخذيه ... بدأ الإنتفاخ يرسم تلك قبّة فوق القماش .... لم أعد أنظر لوجهه كنت أستشعر رغبته من مكمنها مباشرة ... بدأت الخيمة في الإرتفاع ... إرتفاع يؤكد علو كعب وتدها ... من فارقت مشهدا كهذا منذ سنين لا يمكنها أن تصبر أكثر ... دون مقدمات ... تسللت يدي نحو قضيبه ... إنتفض لحركتي وزلزل كياني مع أوّل لمسة ... دائرة صلبة ناعمة بين سبابتي وإبهامي ... حاول منعي بيديه ... لكن حركتي الخبيرة جعلته يستسلم ... رحت أعصر رأس زبه بين أصابعي ... ألقى بيديه للخلف ... ونظر للأعلى مستمتعا بما يحدث .... لم أتمالك نفسي ... نار تشتعل بين أصابعي تحرق ما بين ضلوعي وفخذي في آن واحد ....تسللت يدي تحت بنطلونه ... ملمس اللحم باللحم له مفعول مختلف ... روحي تتوق لأكتشف ما أداعب ... دون تردد شجعني عليه إستسلام منذر لعبثي ... أنزلت بنطاله حتى الركبتين ... منظر ذلك الوحش المنحوت تحت قماش البوكسر يأسر نظر المرأة لسنين تمنع عينيها أن ترمش فيهما خشيت أنت تضيع المتعة لحظة ... دائرة الرأس كبرعم زهرة ضخمة فوق غصن صلب برزت عروقه ... نحت عجيب نحتته الطبيعة ... العين تلهب الرغبة ولا تطفئها ... سحبت مطاط البنطلون برفق ... إنتفض ذلك المارد للأعلى ... تحرره من قماش البوكسر أسر نظر عيني التي كادت تقلع من محجريها ... أنا الخبيرة في الرجال ... لم أرى مثيلا لهذا من قبل ... منذر الذي إستسلم لمداعبتي لقضيبه لم يقل كلمة ... فقط تقاسيم وجهه تؤكّد أنه متمتع ... قربت وجهي من زبه ... لفحتني حرارته ... رائحته أسرتني ... شممت ريحه التي أعادت للهفتي بصرها ... مررت لساني ...تذوّقت قطرة زيت الحياة تطلّ من فتحت رأسه ... قبلته ... لحست وريده الأزرق ... خنقته فزادا تشبثا بالحياة ... شفتاي تلثمان رأسه ... لساني يبلل عطش روحي في جسده ... رضعت رحيق الحياة بلعابي ... بدأت أنفاسه تتصاعد ... خفت أن تنتهي الجولة قبل بدأها ... تراجعت للخلف ... فتحت أزرار فستاني ... فككت صدري من محبس سوتياني ... إنطلق ثدي طالبا قبلة الحياة ... نظرت في وجه منذر الذي لم يفهم مالمطلوب ... دون تفكير هجمت على شفتيه ... الأنثى الجائعة تلتهم فريستها ... شفتاه تاهتا في حركة لساني ... سرعان ما تعوّد ... وسرعان ما تعلّم ... لسانه يخبر لساني أني تأخّرت كثير في التعبير عن رغبتي ... رحيقنا إمتزج ... سحبت يده تداعب ثدي ... أصابعه المبتدئة تعبث في حلماتي ... هنا الخبرة تخنق المتعة ... الأصابع المتشوقة للمعرفة والإكتشاف ... تصل لكل مسامي جلدي ... رفعت ظهري قليلا وألقمته إحدى حلمتي ... لسانه اللزج يجول على غير هدى في صدري ... أحيانا عدم معرفة الطريق خير من تتبع خطوات تحفظها ... إشتعلت نار جسدي ... قضيبه بدأ يرتفع للأعلى شامخا متحديا ... عادت يدي تصارعه ... إنتفخ بين يدي ... دعكته راحتي فإزداد عنادا ... لم أذكر كيف تخلّصت من فستاني ... ولا أين ألقيته ... وقفت أمام منذر لا يسترني إلا قماش الكيلوت ... نظرة عينيه تتابع حركتي ... تخلّصت من ستاري ... أبواب الرغبة مفتوحة منذ فكّرت فيه ... ستائر الشوق تباعدت لتفسح المجال لشعاع الشبق يتسلل إلى رحمي ... حمم تتدفق معلنة نشاط بركان الرغبة في داخلي .... دفعت منذر ليستلقي على السرير ... فتحت رجليا ليفتح باب المتعة على مصرعيه ... رأس زبه يطرق دون هدى ... لامس مؤخرتي جوانب كسي ... وضعت يدي قرب كيس بيضاته أثبت حركته ... ثم بدأت بالنزول فوقه ... طرف رأسه المدببة كسهم يخرق جانبي كسي ... يلضم جرحا لم يندمل منذ عهد ... بدأت حركتي بالسرعة مع ألم لذيذ ممتع ... ألم شق طريق نسيت الخطوات خريطتها فيه ... كأرض تشتاق للحرث ... بدأت صعودا ونزولا ... غزت طلائع زبه أراضي في رحمي لم يصلها مستكشف قبلا ... وضعت يدي خلفي ... لا يزال الكثير من قضيبه خارجي ... شوقي ولهفتي لا يرويها إلا أن يكون كلّه في داخلي ... مع إختلاط ماء رغبتي بلعابي على جسم قضيبه ... إستسلمت لجاذبية الأرض والكون ... غُرس زبه فيا حتى لامست مؤخرتي فخذيه ... صرخة ألم ممتع دوّت في الفضاء ... صرخة أطلقتها وكبتها هو ... سرعان ما تعودت جنبات كسي حجم هذا الفارس المغوار ... ترحيب شديدي بقدومه بدفقات من الماء الحار اللزج ... لزوجة سرّعت الحركة الميكانيكية ... الأمر مجهد لكنه ممتع ... رحت أرفع مؤخرتي في حركة صعود ونزول محورها قضيبه المثبت لجسدي ... بدأ يتجاوب معي ... عكس رهزه في ... إشتعلت ناري ... يداه تعبثان في صدري ... شفتي تبحث عن شفتيه ..عن رقبته عن أذنه ... أريد إلتهامه كلّه ... أنفاسي الحارة دفعته لحركة أقوى وأكثر عنف ... عنف تكرهه المرأة إلا في هذه الحالة ... إنقباض في عضلات ردفي وأسفل فخذي ... رعشة شديدة بدأت تهزني ... مع رعشتي زادت حركته ... آهات تنطلق دون رقابة من صدري ... لم أعد أحتمل ... قفزت بجانبه على السرير أتلوى كذيل سحلية قطع وترك وحيدا ... نظرت في عينيه ... إستغربت ما حدث ... أوّل رجل أعرفه في حياتي ... أصل لذروة النشوة وهو لا يزال ينتظر ... أحسنهم قدرة كان يجهد نفسه أن يعدّل توقيته معي ... هذا العجب لم أشهده قبلا
نظرة عينيها أحرجتني ... إحراج لم يفارقني منذ صعودها ... إصرارها على البقاء معي وقت العشاء ... نظراتها التي تطاردني ... كنت سعيدا أن هديتي أعجبتها ... لم أستطع كبت جماح عيني أن تنغرس في صدرها ... كنت خائفا أن تفسّر حركاتي خطأ ... تلك الحكة العجيبة التي أمسكت بين فخذي ... ندمت على حلاقة شعر عانتي ... لهيب يحرق جلدي ... حاولت جاهدا التظاهر أني بخير لكني لم أوفّق ... رأيت عينها تتبع يدي كل ما حاولت حك الإلتهاب ... فخذها الأبيض الناعم ... ملمس ثدييها الطري وهي تلتصق بصدري ... إشتدت الحرقة بين فخذي ... إعتقدت أنها فهمت ما أعانيه فأنزلت يدها تكتشف علّتي ... خلتها ستساعدنا لكنها أنقذتني ... كم من خطأ كان نتيجته أحلى من الصواب ... لكن هذه النظرة الأخيرة تقتلني ... هي أشبعت رغبتها مني ... أنا لم أنتهي بعد ... ستتهمني بقلّة الرجولة ... يجب أن أتصرّف ... يجب أن لا أخسر مصدر المتعة الوحيد هذا ...متعة إكتشفتها ولن أفرّط فيها ... لحم طري ... حرارة رحمها أعادت الدفء في أطراف عمري التي قضمها الصقيع ... نظرة في عينيها متحديا ... لن أتركها تظن أني لست بالرجل ... وضعت يدي تحت رقبتها وسحبت رأسها نحوي ... غطست في بحر شفتيها الطريتين ... رائحة عطرها الممزوج بعرقنا تستفز رغبتي ... داعبت حلماتها ... تصلّبت كحصى طريق وعرة ... نزلت بيدي أتحسس لزوجة ما بين فخذيها ... أعاجيب الطبيعة تكمن هناك ... مزيج من الخشونة اللينة والرطوبة الحارة ... نعم هناك تجتمع الأضداد ... بدأت آهاتها تتصاعد ... تريد المزيد ... أنا أريد أكثر ... لا أعلم ماذا أفعل لكن زبي سيهتدي لطريقه لوحده ... بركت فوقها ... فتحت رجليها ورفعتهما للأعلى ... كمن يعرف طريق عودته ... بدأ رأس زبي يشق طريقه... لم أعلم أن الوضعية هي السبب أم شيئ آخر ... فتحة متعتها تعاند دخول الوافد ثانية ... عناده زاد إصراري ... ضغطت بمؤخرتي عليها ... بدأت شفرتاه تستسلم ... بدأ قضيبي يخترق اللحم الرطب الحار ... كلما دخل قليلا عانقته جوانب رحمها ... دخول الفاتحين قابلته آهازيج الرغبة من آهات صدرها ... كمدرجات ملعب تفانى المشجعون في إلهاب المنافسة ... آهات ترتفع تشد أزري أن أزيد ... كلما طعنتها لضم جرحها ... أنين السرير القديم إختلط بآهاتها وأنفاسي ... صوت متوازن يعجز أمهر الملحنين على توزيعه ... بدأت ناري تغلي ... إنتفخ قضيبي ... حمم تتحضر للإنطلاق ... رعشة أسفل ظهري ورعشتها تلتقطها مسام بطني من جلد بطنها ... خاب أملي عندما دفعتني لأقذف خارج رحمها ... سيل عارم من ماء شهوتي يشوي جلد صدرها وبطنها ... وقفت طويلا أتملى تلك اللوحة ... نهدان مفروشان فوق بطن مدورة تحتها رسم مثلّث غامق ... أغمضت عينيها ترتاح ... نمت بجانبها ... حلم جميل هو ما عشته في الواقع...
رائحة عطرها تدغدغ أنفي ... مددت يدي أتحسس مكانها ... السرير فارغ ... لا أحد بجانبي ... هل كنت أحلم أم هو واقع لونها أحلى من ورد الخيال ؟؟؟ ... ككلب صيد شممت المخدة ... الغطاء ... رائحتها تلتصق بها لكنها رحلت...
حكة شديدة تلهب بين فخذي ... دخلت الحمام ... الطقس بارد والماء بارد ... برودة شدت عظامي ... على مرآة المغسل صورة قلب ... خطّته حبيبة بإصبعها ... لم أكن أحلم ... نور يتسلل تحت الباب ... صوت خفيف يصلني من جهاز الإتصال ... الشقة رقم 5 ... صوت الدكتور يطلب مني النزول بسرعة ...
وجدته عند الباب هامسا ... وضع ورقة في يدي ونقودا ... طلباته مجابة بسرعة ... هرولت نحو المخبزة ... تغيّر وجه البائعة البشوش لما دخلت ... لم أفهم سبب تغيرها معي ... مجهود ليلة ساخنة دفعني أن أتجرّأ وأشتري ما يسد جوعي بمال الدكتور ... لم يطالب بالباقي بل دخل محاذرا إحداث جلبة ... ألصقت خدّي بباب بيت فريال ... عل أذني تلتقط دبيب قدم حبيبة ... حبيبتي ... الكل نيام ... خشيت أن لا أكون أحسنت الأداء ... يجب أن أراها ثانية لأتأكد ... لا... لا ... رسم القلب يؤكّد أني قمت بما يجب ...
أتممت كل أعمال الصباح ... نظّفت وسقيت الورد ... رابطت مكاني ... صوت عجلات العربة يصلني من باب المجمع ... صديقي التاجر يلوّح لي ... هرولت نحوه ... وضع في يدي مبلغ ثلاثين دينار ... قال إنها ثمن الكتب ... ثم وضع ورقتين من فئة عشرين متمنيا أن أصبر قليلا حتى يكمل الباقي ... أنا لا أعرف بكم هو مدين لي ... لكني كنت سعيدا ... ساعدته في وضع تلك الكراسي والطاولات ... عاهدني أن يدفع الباقي كلّه مع بعض بعد أسبوع فقبلت ... أصلا الأمر جيّد بالنسبة لي هكذا...
غادر السكان تباعا ... صبّحت عليهم جميعا ... لم يرد أحدهم سوى بحركات من الرأس ... صوت حبيبة المحبب يأتيني طالبا الصعود ... دخلت الشقة وجدتها بالمطبخ ... لم أعلم كيف تجرّأت وضعت يدي على مؤخرتها وقرصتها ... تألّمت بدلال ... ثم همست بأذني " مش هنا ... شتفضحنا " ... كلماتها برّدت ناري وأشعلتها في آن ... جولاتنا ستستمر ...
طرت نحو المغازة تحيطني الزهور والقلوب الحمراء تتطاير حولي ... وضعت الطلبات ... حبيبة وحيدة في المطبخ تجرّأت وأعدت قرص مؤخرتها ... وهربت منها ... حركة إصبعي تشير أني أنتظرها ليلا فوق السطح ... لو أمكنني سحب قرص الشمس الذي إستعصم أن يتحرّك لفعلت ... أعتقد أن الأرض توقفت عن الدوران ... قرص الشمس ثبت عند العصر ... طال الوقت ... حافلة المدرسة تقف ليقفز منها القردان الصغيران ... دخلا مسرعين للعمارة ... نظرت فلم أجد سيّارة أمهما ... صعدت ورائهما ... صوت بكائهما لما وجدا باب بيتهما مغلقا جعلني أرأف بحالهما ... رافقاني سعيدين حتى مدخل العمارة ... بدأت حفلة التعذيب ... حمارهما البشري جاهز للركوب ... صوت ضحكهما سحب بعض الرؤوس الصغيرة من العمارة المجاورة ... الولد الذي إنزعج لعدم وجود العصى شوى جلد مؤخرتي بكف يده ... حال أهون من حال ... صوت محرّك السيارة أنهى عذابي ... " ماما جات " ... نظرت الأم نحوي ... كأنها تشكرني ... فتحت حقيبتها ووضعت في يدي قطعة نقدية ... كدت أرفضها لكني تذكّرت ذلي فقبلتها ... رافقت ولديها وإختفت ...
حلّ الليل وإقترب الموعد ... موعد إنتظرته وتحضّرت له ... إستحممت .. لبست بوكسرا جديدا ... وتيشرت فوقه ... سرّحت شعري وتعطّرت ... رتبت سريري ... فراشنا ... طال إنتظاري ... الوقت يعاندك عندما تتلهف لسرعة مروره ... بدأ سكون الليل يطبق على المكان الساكن أصلا ... قضيبي إنتصب لمجرّد سماع خطوة حبيبة على السلّم ... تركتها تسير أمامي ... لم تلاحظ أني إختفيت بجانب الباب ... تلك الميدعة البيضاء خيّبت أمالي ... لا يهم الغلاف فأنا أعشق المحتوى ... وضعت طبق العشاء على الطاولة ... قبل أن تلتفت بحثا عني ... كنت فاجأتها بحضن من الخلف ... قبل أن تشهق من الصدمة ... وضعت يدي تحي إبطيها والأخرى تحت فخذيها وطرت بها للغرفة ... كانت تتمنع بدلال وتضرب صدري ... ألقيتها على السرير بعنف ... فتحت أزرار ميدعتها البيضاء ... طقم ثنائي بنفسجي يلمع بلمعان جلدها الناعم ... طبق يسيل اللعاب ... شربت ريق شفتيها حتى أجهدت أنفاسها ... قبلة طويلة بطول عطشي ... إرتويت ورويت ... عضت في صدرها ... شربت الحنان وسقيت الحنية ... لا أذكر كيف طار مشبك سوتيانها لتفتح شبابيك صدرها على مصرعيها ... يدي تسللت لما بين فخذيها ... كم عشقت تلك الرطوبة الحارة ... النعومة الخشنة ... بدأت يدها تتسلل تبحث عن قضيبي ... لمسة بسيطة من أناملها الناعمة ... ووجدت نفسي عاريا ... عري بعري ... تخلّصت من كيلوتها ... فركت زبي بأطراف كسها ... مررت أسفل جسمه بين شفرتيها ... كيس بيضاتي عانق فتحته ... آهاتها تطلب بداية إنهاء الأمر ... خرس العالم إجلال لصوت رغبتنا ... إمتزجت آهاتنا ... أحرقت أنفاسنا برد ليل الخريف ... إهتزّت وإهتززت دفقت وقذفت ... أكلنا ولم نشبع ... ليلة ستسجّل في تاريخ العشّاق ....
طعم الليلة الثانية يختلف عن الأولى ... والثالثة عن الثانية ... تعلّمت فيها وتعلّمت منها ... جرّبت وإكتشفت وإختبرت ... تداولت ليالينا ... رغم الروتين إلا أن حياتي صارت بطعم آخر ... الجنس كالبهارات في الحياة ... يغيّر الطعم ويزيد من لذة التناول ...
في النهار كالعادة ... عمل بسيط .... أشغال قليلة ... وليل دافئ ... نور يسطع من سطح العمارة معلنا للكون عشقا لا ينضب ... نعم صرت أحب حبيبة ... نسيت العالم بين فخذيها ... تغذيت من رحيق رغبتها ... تعالجت بإكسير شبقها .... حتى وجهي تورّد وجلدي صار أنعم ... نعومة الحياة تؤثّر في الجسد ... هي كذلك عادت لها نظارتها ... بدأت ثروتي تتكاثر ... ما أجنيه من عطايا السكّان ... صرت أقوم بكل أعمال أهل الحي ... تجارة الخردوات إزدهرت بدخولي بقية العمارات ... حقيقة لم أعد أعلم بما يدين لي التاجر ... يضع الأوراق في يدي ثم يقول سنتحاسب فيما بعد ... فيما بعد يجد دفعة جديدة وهكذا ... لا يهم ... أين بدأت وأين أصبحت...
أكل لذيذ وصحي تتفنن حبيبة في إعداده .... لبس أنيق ... حلاقة دورية ... عطر ... قهوة مجانية لقاء خدمات بسيطة ... أكثر أحلامي تفاؤلا لم تصل لهذا الحد ... إكتسبت خبرة في المكان ... تشغيل الآلات ... مجالسة الأطفال ... التنظيف ... إعتنيت بحديقة الحي ... نظفت حوض النافورة لكني عجزت عن تشغيلها ... زرعت الأشجار ... كنت أسرقها من حدائق الأحياء المجاورة ... صرت معروفا لدى الجميع .... والأهم أني صرت أعرف كيف تتمتع المرأة ... هكذا كانت حبيبة تقول لي...
" إنت كنز ونزلتلي من السماء " ... تلك هي الحقيقة .... وجود منذر غيّر شكل حياتي ... صرت أهتم بنفسي بالدنيا ... رجل متكامل ... حنون وقوي ... بسيط وخبير ... دافئ وصارم ... والأهم ... قضيب تحلم الأميرات بالحصول عليه ... رغم أخذه لزمام المبادرة لم أنزعج .... صرت أكثر نشاطا في أعمال البيت ... فقط لا أريد أن تلاحظ المدام شيئا ... تعكّر حالة سي توفيق تطلّب نقله للمصحّة ... صار غيابها أكثر بحكم مبيتها بجانبه ... هذه المرأة تخجلني بتفانيها ... غيرها وفي وضعها ووضع زوجها لكانت تتمتع من حضن لحض دون رقيب ...
وجود ذلك الرقيب المزعج في حياتي أثقل كاهلي ... صرت أعدّ حركاتي .. أخشى أن تفسّر حبيبة أي حركة مني خطأ ثم تنقلها لمن وظفها من أقارب زوجي ... لم أجد طريقة أتقرّب بها منها ... أفهم فيما تفكّر ماذا تريد وماذا يريد من أرسلها لي ... فكّرت بطردها ... أي تعلّة والسلام ... لكني تراجعت ... يكفيني ما سببته من ضرر لنفسي كي أخطأ في حق غيري ...
لم يكن ينقصني سوى مرض توفيق هذه الأيّام ... لو تركته بالمستشفى وحيدا ربما أفاق بين براثن إخوته ... وترك حبيبة لوحدها بالمنزل سيمكنها من تفتيش كل متعلقاتي بحرّية ... أغلقت عيني مثقلة ... رائحة الدواء والمعقمات صارت لا تفارقني ... المصحة الفخمة رغم ما توفره من سبل الراحة لكني أتوق للنوم في سريري ... فجأة خطف خاطر عقلي ... ماذا لو وجدت حبيبة العقد ... إطلّعت على كل تفاصيله ... بنوده ... لو أخبرت مشغليها إنتهى أمري ... كنت أنتظر طلوع النهار على أحر من الجمر ...
إنتهى إنتظاري الطويل ... غادر كل السكّان إلى أعمالهم ... كنت أنتظر نداء حبيبة بالصعود ... إشتقت لها ... أكلة السمك ليلة أمس أتت أكلها صبيحة هذا اليوم ... الرغبة تهزني هزا ... قضيبي يكاد ينفجر ... لا يمكنني الصبر حتى الليل ... لا أقدر على الإحتمال ... لا أحد بالشقة غيرها ... مالضرر لو جربنا مرّة خلال النهار ... جربنا كل الوضعيات وكل الأماكن ... بقيت تجربة النهار...
تلك التجربة الوحيدة التي لم أخضها ... خاطر غريب سكن عقلي ... صور مدام فريال في ألبوم قديم ... ملابس بحر ... ميني جيب ... صديقاتها جميلات ... العناق والقبلات تؤكّد أن هن كن مقربات إلى أبعد الحدود ... لكن هل ما خامرني صحيح .... رغم تقلبي في البلاد والبيوت ... مارست الجنس مع جميع أصحاب العمل ... شباب وكهول وشيوخ ... لم أخض تلك التجربة أبدا ... إمرأة مقابل إمرأة ... صورة لمدام فريال قبل سنين خلت على شاطئ البحر تأسر تفكيري ... لم تفارقني ... بدأ عقلي يدور ومسام جلدي تتفتح ... أنا أحب مدام فريال لكن ... أنا لم أجرّب شعورا كهذا قبلا ... وهي سترفض بكل تأكيد ... فكرة لم تزل تتخمر برأسي حين رن جرس الباب ... منذر يقف أمامي مبتسما ... تلك النظرة أعرفها في عينيه جيّدا ... حضنني بيمناه ويساره تغلق الباب خلفه ... " شتعمل يا مهبول ؟؟؟ ... لم يجبني ذلك المجنون ... دفعني بحنية ويده التي خبرت تفاصيل جسدي تداعب ما بين فتحتي ... إلتهبت نار رغبتي الموقدة أصلا ... لم أجد بدا من الإستسلام ... دون مقدمات ولا مقبلات ... وقف منذر خلفي ... وضعت يدي على الطاولة ورأسي مقابل الباب ... فتحت رجلي ... يده الناعمة تداعب فتحة كسي ثم تنشل كيلوتي الصغير ... لم يمنحني فرصة للكلام ... بدأ رأس زبه الضخم يطرق باب فرجي ... حلاوة الطعن جعلتني أستسلم ... أوّل مرّة أنتهك حرمة بيت مشغلتي ... لكنه إنتهاك لذيذ ... حركات سريعة قوية ثابتة من مؤخرة منذر ... تلك الوضعية أعشقها أحس بقضيبه يطرق سقف رحمي ... يعصر سحب ماء رغبتي من عليائها ... رفعت رأسي للأعلى ... عيناي تبحثان عن الخلاص في السقف ... ركبي ترتعش وقفت على أطراف أصابعي لأفسح المجال لزب منذر بحرية الحركة .... بدأت أصعد سلّم الرغبة ...وصلت ذروة النشوة .... أهات أبواب النعيم تفتح أمامي...
فتحت الباب وجلة متوجسة خيفة أن تكون حبيبة تفتش خزانتي ... العقد أخفيته في المكان الوحيد الذي لن تبحث فيه ... المطبخ ... خلعت حذائي حتى لا تسمعني ... سآخذ العقد وأخفيه في صندوق بالبنك ... وصلت باب المطبخ لأتسمّر هناك ... منذر يقف وراء حبيبة ... نصف ظهرها عاري ... الطاولة ترتج تحتها ... رأسها مرفوعة للأعلى ... عيناه مقلوبتان للخلف ... منذر يغلق عينيه متعة ... نفس الوجه كنت آراه في مرآتي وزوجي الأوّل يفعل بي ما يفعله منذر بحبيبة ... لم أعي ما أفعل ... وقفت متسمرة مكاني ... لم أصرخ فيهما ولم أهرب ... لم أشأ قطع متعتهما ... أنا أعلم الناس بالمتعة ... أنا أكثرهم شوقا لها ... آهات حبيبة تخز لأذني ... تهز صدري ... عيناها تشبهان عيني يوم كنت مثلها سابقا ... حاولت الإنسحاب لكن منذر فتح عينيه ... إنسحب للخلف رعبا لينسلّ قضيبه من داخل حبيبة مرتجا أمامي ... إنفتحت عيوني دهشة أو رغبة ... وضعت يدي على وجهي أداري ردة فعلي ... هربت نحو غرفتي ... خفت منهما نعم خفت ...
قتلني الخوف ومدام فريال تخفي وجهها قرفا مني ... نظرت لحبيبة المسكينة تحاول لملمة ملابسها ... نظرنا في عيني بعضنا ... قضي الأمر علينا مواجهة مصيرنا ... سأتحمّل المسؤولية إما تسامحنا المدام أو سأطرد لوحدي ... حبيبة لا ذنب لها ...
الذنب كلّه ذنبي ... أنا الراشدة الخبيرة ... راودت هذا الشاب ... كان يمكن أن امنعه من إتباع هواه بتدنيس حرمة بيت سيدتي ... سأتحمّل المسؤولية ... سأخبرها بكلّ شيء ... أنا المذنبة ... لا بد من مصارحتها ... هي إمرأة متفهمة وستقدّر ... ستفهمني ...
لم أفهم ما حدث لي ... المفروض أن يهربا هما خجلا بفعلتهما .... هربت أخفي وجهي الذي قطعا كان سيفضح مكنون صدري ... وإن يكن ... فرصة لوضع حبيبة تحت جناحي ... سأتفهمها و أقرّبها مني حتى تسرّني بكل ما تعرف عن خطط أهل زوجي ... صورة وجهها أمامي وهي تستمتع لا تفارقني ... طرق خفيف على الباب ... خرجت محاولة تصنّع الغضب ... نظرت في عيني حبيبة التي ملأها الدمع ... وجه منذر غاب عنه الدم فتحوّل لأصفر ليموني ... سأمسك بزمام الأمور ... سأوجه حبيبة للإنضواء تحت لوائي...
فريال : خير ؟؟؟ عاوزين إيه ؟؟؟
منذر : مدام إحنا آسفين وطمعانين في كرم حضرتك تسامحينا...
حبيبة : مدام فريال .. أنا عشت سنين خدّامة تحت رجليكي ما تفضحنيش ... أرجوكي
فريال : أسامحكم ؟؟؟؟؟
منذر : إحنا طمعانين في كرم حضرتك .
حبيبة : إنت قلبك حنين وأكيد حتسامحينا....
فريال : أكيد ؟؟؟
منذر : عشمنا في حضرتك ...
حبيبة : يا مدام أنا السبب منذر ما لوش ذنب ...
منذر : لا يا مدام أنا السبب ... حبيبة ما لهاش ذنب
فريال : طيب إتفقنا أنا هي المذنبة إني قطعت عنكم متعتكم مش كدا...
منذر : لا ياهانم العفو ... إحنا غلطانين من ساسنا لراسنا...
فريال : إنت تخرص خالص ... إنزل شوف شغلك تحت وإياك تتحرك من مكانك غير لما أندهلك .... وإنت تعالي ورايا عالصالة ...
حركة ولهجة تعالي برجوازية ليست غريبة عني ... جلست على الأريكة الكبيرة في الصالون ... وضعت رجلا على رجل ... أمرت حبيبة بالوقوف أمامي ثم بدأت إستجاوبها ... راحت تروي لي بالتفصيل سر علاقتها بمنذر الصبي ... تفاصيل سكنت خيالي مختلطة بصورة وجهها وهي تتمتع بما يملك بين رجليه ... صورة زبه يتأرجح حرا أمامي زادت من حيرتي ... لهجتي غلبها الحنان ... أن تظن حبيبة أني متعاطفة معها خير من أن تكتشف أن كلامها أثارني ... كلما إزدادت قصتها تفصيلا إزدادت حرقة قلبي ... أحسست أن قلبها سينفطر من الحزن والخوف ... خوفها أن يقطع رزقها وأن تفارق حبيبا يملأ فراغ جسدها قبل روحها ... أمرتها أن تنهي عملها ريثما أقرر مصيرهما ... جلست طويلا أراجع تفاصيل صدمة الصباح ... قارنت بين وجه حبيبة في المطبخ مستمتعة ... ووجهها بالصالون باكية ... تفكيري إنحسر في إستقطاب حبيبة لنجاح خطتي كما أنه لا يمكنني طرد منذر حتى تتوضح حالة صحة توفيق ... سأضرب عصفورين بحجر أسامحهما و أضمهما لصفي ... ناديت حبيبة وطلبت منها مناداة منذر ... وقف الإثنان أمامي يتنظران سماع الحكم ...
فريال : طيب أنا حأسامحكم ... ومتفهمة وضعكم
منذر : داه جميل ومش حأنساهولك طول عمري
حبيبة : داه العشم يا مدام ...
فريال : بس على شرط ...
منذر وحبيبة في سوط واحد : أمرك يا هانم
فريال : من اليوم ورايح ما فيش سطح ...
منذر : يعني إيه يا مدام ...
فريال : يعني من الليلة حتتعشى هنا ومش حتطلع السطح غير لما حبيبة تنام ؟ كل حاجة لازم تبقى تحت عيني ... فاهمين
منذر وحبيبة في سوط واحد : أمرك يا هانم
فريال :ما هو انا مش مستعدّة حد يقفشكم في السطح ... وتبقى فضيحتي بجلاجل ...
حبيبة : بس ياهانم إنتي بتباتي في المصحة ... جنب سي توفيق
أفقت من غفلتي ... الساعة تقارب السادسة منذ الصباح لم أتفقّد توفيق ... إتصلت بالمصحة ... إطمانت على حالته وأنه بإمكانه العودة للبيت ... غير أن غيبوبته ستتواصل ... نصف ساعة وكانت سيّارة الإسعاف تقلّه تحت العمارة ... منذر تطوّع لمساعدتهم ... لم أفهم بعد سرّ إمساك توفيق بيد منذر ... كأن روحه تهدأ بتلك اللمسة ... من منذر هذا ؟؟؟ ...
إجتمعنا ثلاثتنا على العشاء ... منذر إهتم بإطعام إبنتي ... على غير عادتها سمعت كلامه وهدأت فوق ركبته ... فائدة أخرى لم أتوقعها ... سهرنا جميعا أمام التلفاز ... رغم أن حبيبة ومنذر كانا محرجين لكني سعدت بوجودهما بجانبي ... الونس جميل حتى لو كان بالغصب ... بدأ التثائب يثقل جو السهرة ... أطلقت سراحهما ... وحاولت النوم ...
وضعت رأسي على سريري ... موازنة لما حصل هذا اليوم ... كدت أخسر وضيفة وأتسبب لتلك المسكينة في فضيحة وأحمل ذنبها ما حييت... قرار الفصل بيننا أزعجني لكنه خير من فصلنا سويا ... السهر في بيت سي توفيق ممتع رغم ثقل الجو ... مسامرتهما خير من التقلّب على الفراش لوحدي ... لكن هل سأقاوم ؟؟؟
ليتني قاومت رغبته ... لو أجلّنا تلك الجولة السريعة ... لكنت الآن بين أحضانه ... حضنت المخدة وحاولت النوم ... حال أهون من حال ... بما أن مدام فريال لم تطردنا فبمرور الوقت ستخف مراقبتها ... كم هي عظيمة تلك المرأة ... حبي لها يزداد يوما بعد يوم ...
مرّت الأيّام تباعا ... منذر يقوم بعمله اليومي بنشاط ... بعض المال يجنيه من هنا وهناك ... حبيبة على حالها ... تعمل ما يجب فعله ... فريال بدأت تتعود وجودهما بجانبها طوال الوقت ... صارت تحس أن حبيبة أقرب لها من قبل ... توفيق على حاله ... لا هو حي ولا هو ميت ... سهرات السمر بدأت تصبح أكثر ألفة ... منذر ينعش الجو بحكاياته الطريفة عن قريته والمغامرات فيها ... فريال صارت تضحك ملأ شدقيها ... تجالسهما في طاولة الطعام ... تقاسمهما الشاي ... تدخن معهما ... شيئا فشيئا ذهب الحرج بينهم ... كانت حبيبة تجتهد في أصناف الأكل ... منذر بدأ يحلو شكله أكثر ... العز يظهر على الخدود ... لكن الجفاف بدأ يغزو صدره وصدر حبيبة ... أسبوعان بلا لقاء وهما من تعودا الجنس يوميا ولمرات متعددة ... ليلة السبت كانت باردة ... الكل يلزم منزله ... السماء لم تبخل بمائها ... أغرقت الٍأرض بكرمها ... رياح عنيفة تهز الشبابيك ... صفير عالي ... البنت الصغيرة نامت بصمت العادة على فخذ منذر ... كعادة ليالي الشتاء بتونس ... قليل من الريح وصاعقة واحدة تغرق كلّ أحيائها في الظلام ... بنية تحتية هشة لبلد هش ... حتى الأحياء الراقية متصلة بشبكة تزود الجميع فقيرهم وغنيهم ... عبثا أنفقوا على كل تلك التجهيزات في غياب الكهرباء .... الظلمة تغمر غرفة الصالون ... طنين آلات سرير سي توفيق تصم الآذان ... تدخّل سريع من فريال ... عدّلت تزويد الآلات فخفت ضجيجها ... شمعة كبيرة تنير الصالون ... الجو ينبأ بنهاية العالم ... حاول منذر الإنسحاب لكن فريال منعته ... قالت أنها تخاف الظلمة ... وجوده بالبيت سيشعرها بالأمان كما أن الغرفة فوق السطح ستكون باردة ... قرار لا يقبل المناقشة ... رغم محاولته التملّص لكنها رفضت رفضا قطعيا ... حبيبة فرشت أرضية الصالون بحشيات متلاصقة ... رغم حرج منذر من الوضعية الغريبة المفروضة عليه ... تخلّصت مدام فريال من روبها ... لم يسعفه نور الشمعة الخفيف وسرعة حركتها من تصوير اللقطة في ذاكرته ... إختفت تحت اللحاف القطني الناعم ... حبيبة فعلت كسيدتها ... هو فقط دخل السرير بملابسه ... ثم تخلّص منها بخجل ... بوكسر مطاطي وصدره عاري ... نعومة الغطاء بعثت الدفء في أوصاله ... طلبت منه فريال أن يروي لها قصّة ... الظلمة ونور الشمعة لا يتماشى معها سوى قصص الرعب ... إسترجع ما ترويه جدّته عن الجن والعبيثة والرهبان ... جمعها كلّها في قصة واحدة ... مع صفير الريح وتراقص ضوء الشمعة بدأ الرعب يدب في أوصال السيدتين ... فريال تزحف لتلتصق بحبية وحبيبة يسحبها جلد منذر الناعم ... إنتصفت القصّة ... ونصف الفراش خاوي ... ثلاثتهما على حشية واحدة بغطاء واحد ... نار حبيبة تلتهب ... منذر عن يسارها يشوي جلده الحارق قلبها ... وفريال عن يمينها ... يلامس طرف ثديها صدر سيدتها ... كلحم يشوى على جانبين ... خرست أذناها عن سماع قصة منذر ... بدأت فريال تخاف بحق ... إلتصقت أكثر بحبيبة ... حركة غير محسوبة العواقب مررت يدها تحت رقبة سيدتها وحضنتها ... تفاعلت معها فريال بأن أسندت خدها على كتف حبية ... أنفاسها الحارة تلفح قبة ثدييها الأيمن ... أطلق منذر العنان لخياله مستجيبا لرغبة المدام رغم رعبها بالمواصلة ... حبيبة التي تاهت بين نارين ... تسللت يدها لتبحث بين فخذي منذر ... إرتعش المسكين من حركتها المفاجأة ... لكنه إستسلم لمداعبة حبيبته ... بدأ كلامه يتقطع مع جولات أنامل حبيبة على طول قضيبه ... فريال التي إلتقطت ما يحدث أرادت إنهاء الأمر ... سحبت روبها ولفت به نفسها ... وإستأذنت للذهاب للحمام ... قبل مغادرتها الصالون ... برق شديد أنار الكون ... وصوت رعد زلزل زجاج النوافذ ... صرخت من خوفها تنادي منذر الذي هب مسرعا لمساعدتها ... حمل الشمعة ووقف عند باب الحمام كحارس لها ... تاركين حبيبة لوحدها بالصالون ... عند عودته لاحظت فريال إنتصاب قضيبه ... نحت جميل تحت القماش المطاطي ... تعثرت خطاها محاولة إخفاء صدمتها ... وضع منذر الشمعة بمكانها ... ودخل مكانه مرتجفا من البرد ... بعض الدفء وصله ... إلتصق بحبيبة ليصدم أنها خلعت سوتيانها ... كاد الدم يتجمد في عروقه ... فريال التي تخلّصت من روبها ... عادت لمكانها ... وضعت رقبتها على ذراع حبية وأخفت وجهها بالغطاء مستندة صدرها ... إحترق خدها بحرارة الجلد ... لم تتحرّك ولم تصدّق ... ثدي حبيبة عاري أمام عينها ... صمتها دفع حبيبة لمزيد الضغط على رقبتها لتضمها ... حلمتها اليمنى تتصلّب مقابلة شفة سيدتها ... وواصل منذر حكايته ... يدها تعبث بزب منذر والأخرى بدات تتحس جلد ظهر فريال ... فريال لم تمانع ... يد حنونة دافئة تهدهدها ... كطفلة صغيرة أغمضت عينيها وإستسلمت لما يحدث ... صوت منذر ولمسات حبيبة سحبتها لشبه النوم ... نومها حسبته حبيبة تشجيعا ... بدأت يدها تنزل تدريجيا متبعة فقرات ظهرها ... وصلت لمنطقة الحوض ... حركات دائرية خفيفة بأطراف إصبعها على الجلد الناعم سحبت تنهيدة حارقة من صدر فريال ... تنهيدة فهمها منذر على أنها نفس نوم ... تجرّأ ومرر يده بين فخذي حبيبة صعودا ... لم يعترضه شيء ... حبيبة عارية ... لا مجال للخوف أو التردد ... مرر أصابعه بين شفرتي كسها ... حركة إرتعشت معها حبيبة ليرتج صدرها وتستقر حلمتها فوق شفتي فريال ... لمسة صلبة على شفتيها الناعمتين دغدغتهما ... مدت لسانها تلحسهما فلامس حلمة ثدي حبيبة التي فهمت حركتها إستجابة ... تسللت يدها بحذر تفتح مشبك صدرها ... فريال التي سرقها النوم لم تتحرّك ... بدأت يد حبيبة تداعب جانبي صدرها اللين ... تفاعلت فريال لحركتها وإلتصقت بصدر حبيبة ... تلامس النهدان فإشتعلت نار الخادمة ... أهملت زب منذر الذي يتفانا في فرك كسها ... يد تداعب ظهرها والأخرى تدغدغ بطنها ... سحبت الغطاء تدريجيا ... على ضوء الشمعة منذر يرى نصف جسد سيدته العلوي عاريا ... ويد حبيبة تداعب خياطة كيلوتها الأسود ... لحم طري ناعم لم يعتده ... وضع يده تحت مؤخرة حبيبة وأدارها ناحية سيدتها .. رفع رجلها اليسرى للأعلى ... وبدأ يدغدغ شفرتي كسها بقضيبه وعينه تلتهب بمشهد جسد فريال ... ضغط ببطئ ليحشر رأس زبه المنتفخ بينهما ... آه عنيفة أفلتت من حلق حبيبة لتفتح فريال عينيها مدهوشة...
فريال بتعملو إيه ؟؟ يا ولاد الكلب ... (وقفزت من مكانها تجلس على حافة الكنبة قرب رأس حبيبة تغطي صدرها العاري بيديها )
حبيبة : (بفزع شديد) مالك يا مدام ؟؟؟ ما كنتي مستمتعة ؟؟؟
فريال : مستمتعة بإيه يا ولاد الكلب ...
حبيبة التي بدأ الرعب يهزها : آسفة يا مدام ... كنت فاكرة...
منذر : (مرعوبا ومفكرا بالإنسحاب) آسفين يا مدام .. إعتبري ما فيش حاجة حصلت
و جذب زبه من داخل كس حبيبة ... ووقف يبحث عن بوكسره بين ثنايا الغطاء ... فريال تنظر للحائط مشيحة بوجهها عن العاشقين العاريين ... ظل جسد منذر وزبه منتصب للأعلى كرمح يتراقص على الحائط ... لم تستطع التفكير أسرع من هذا في حياتها سابقا ... لا مفر من طردهما بعد ما حصل ... طردهما سيدمر خطتها كليا وسيفتح أبواب هي في غنى عنها الآن ... و تجاوز الأمر سيفسد كل ما بنته من ألفة معهما ... دون تردد نطق لسانها
" هو إلي حصل حصل ... كملو ... أنا عارفة إنكم مشتاقين لبعض ..." نظر منذر في عين حبيبة غير مصدقين ما حدث ... وضعت فريال يديها على كتفي فريال التي كانت تبرك على ركبتيها أمامها وسحبتها للأسفل ... نظرت في عين منذر آمرة " يلى كملو ... إعتبروني مش موجودة ... مش كنتو فاكريني نايمة... إعتبروني نايمة " ... لم يفهم منذر ما المطلوب هل هو فخ أم هو حقيقة ما تبغي ... حبيبة التي تراجعت بمؤخرتها للخلف ... أمسكت زب منذر كانها تنتقم من رفض فريال لها ... هي أصلا لم تحس بكل تلك المداعبات ... لم تلاحظها ... كانت نائمة....
وضعت زبه بين شفرتي كسّها ... وضغطت للخلف ... منذر الذي إستجاب بغير وعي ... دفع وسطه للأمام لينغرس زبه دفعة واحدة داخلها ... آه عنيفة هزت جدران الغرفة ... إنقلبت عينا حبيبة للأعلى وعضت شفتها من ألم الرغبة ... تلك النظرة هزّت كيان فريال ... نار سرت بين مفاصلها ... تفتحت مسامها وتباعدت شفرات كسها...
فريال جالسة على حافة الكنبة ... تفتح رجليها الموضوعتين على الأرض ... حبيبة تبرك على ركبتيها ورأسها بين فخذي سيدتها ... منذر يثني ركبتيه يحشر زبه في كس حبية ... عيناه تبتهمان صدر فريال العاري ... عينا فريال تحترقان بمشهد وجه حبيبة التي تغرس عينيها بين فخذي سيدتها ...
خط مستقيم جمع كل الرغبات المستحيلة ... بدأ منذر يرهز خلف حبيبة ... زبه الصلب يخرق نعومة جنابات كسها الرطب ... عيناه تتمنيان صدر فريال ... يدا حبيبة تمسكان بقصبتي أرجل المدام كوتدي تثبيت من أثر رهز منذر خلفها ... فريال التي تاهت في إنعكاس متعة خادمتها على وجهها ... بدأت يدا حبيبة تزحف للأعلى ... لم تتحرّك فريال رغم أنها شعرت بهما ... أصابعها تصل فوق الركبتين ... وسط فخذها تغوص في لحمهما ... أغمضت عينيها وألقت بظهرها للأسفل لتسلّم كسها لشفتي حبيبة...
قماش الكيلوت لم يمنع لسانها أن يعزف على أوتار رغبتها ... بضرها الطري يسبح في لعاب حبيبة ... يرقص معانقا شفتيها ... توقّف الزمن وإنهارت الحدود ... إجتمعت كل الطبقات على خط واحد .... المتعة لا تعترف بقيود ... دوّى الرعد ممتزجا بآهات ثلاثية متزامنة ... زخّات المطر تسيل فوق ظهر حبيبة وعلى صدر فريال منطلقة من حميم رغبة منذر ... أودية رحيق الشبق تختلط بزبد ريق المتعة على شفتي حبية ... فريال تطبق برجليها على رقبة خادمتها تحبس رأسها بين فخذيها للأبد...
نور ساطع يتلوه رعد هزّ الأرض ... ما بدأ بالرعد إنتهى به ... عاد التيار الكهربائي ... أنارت الغرفة ... الخدود حمراء ... رائحة النيك تعبق بالمكان ... العرق يتصبب من اثر معركة طويلة ... إلتقت العيون بلا كلام .. لا حركات ... لا رمشة واحدة بين ثلاثتهما ... أجساد عارية غارقة في ماء الشهوة ... طنين عنيف يصم الآذان قادما من سرير سي توفيق ...
الجزء الثالث
الطابق الثالث ( الشقة 5)
هرولت مدام فريال نحو غرفة نومها ... تلفلف جسدها النصف عاري بروبها الحريري ... بدأت أجهزة الإنذار على السرير الطبي تزداد طنينا ... سي توفيق أفاق من غيبوبته ... دخلنا مسرعين خلفها ... عيناه صفراوان ... لونه شاحب للغاية لكن لسانه بتحرّك بطلاقة ... نظر في وجهي مستغربا وجودي ... أعلمته مدام فريال بكل التفاصيل ... منذ أمطرت تلك الليلة حتى قبل أن تمطر في هذه ... هز رأسه شاكرا معروفي .. لم يحتج ولم يحترز على تعييني كحارس للعمارة ... لكنه لم يسعد للخبر ... نظر في وجهي طويلا كأنه يتذكّر ما حصل تلك الليلة ... شيء غريب يجذبني نحوه ويجذبه نحوي ...
أراد النزول من سريره لكن فريال منعته ... كسر الحوض لم يجبر بعد ... الساعة تشير للسادسة صباحا ... وصلت سيّارة الإسعاف والطبيب والمدلكون ... فريق طبي كامل ... حبيبة تكفّلت بإخفاء آثار جريمة ليلة أمس ... أنا كنت أتابع الحركات الخبيرة للطبيب يتفقد جسد سي توفيق ... لوى شفتيه وهو ينظر لمدام فريال التي صارت ترتعش خوفا ... إبتسم في وجه سي توفيق يطمئنه ...
تجاوز الخطر لكنه لن يستطيع المشي ثانية إلا بعد مدة طويلة وعلاج طويل ... ملامح إستسلام توفيق للقدر رسمت على وجهه ... لكن الحزن إعتراه ... الموت أهون من العجز ... كرسي دوّار ... الحل الوحيد للحركة ... هو كرسي بالعجلات ... سرعان ما تم الإتصال بمن يحظره ... ربما هو محضوض .... لو إختلط عجزه بفقره لكان الحال غير الحال ... مع ضوء الصباح الأوّل إنسحبت أتبع الطبيب وطاقم الإسعاف...
ما حصل ليلة أمس لن يفارق مخيلتي للأبد ... لحم فريال ... نوعية أخرى ولون مختلف ورغبة لا تقاوم ... لحم الهوانم كما يقول إخوتنا المصريون ... الغلال الناضجة تحت الظل ... بياض جلد ثدييها وحمرة حلمتيها تحرقان قلبي ... تدور صرتها الوردية وسط بطنها البيضاء كقمر يسطع في سماء ليلة صيف ... وقفت طويلا أمام المصعد ... لم أحدد إتجاهي ... هل أصعد ... أم أنزل ... بقائي في مكاني سيسمح لي بمواصلة العلاقة والتمتع بجسد حبيبة ... وصعودي سيعتبر مخاطرة كبرى ... مدام فريال ؟؟؟ ... هل أحاول التسلّق للوصول لها ... ربما أسقط فتكسر رقبة أحلامي...
قطع صوت فتح الباب خلفي ضياعي وتيهي ... صوت خافت أعادني لحجمي ... أوامر لا تقبل النقاش من الدكتور ... رغم هدوئه وإنخفاض صوته ... لكنه أعادني للواقع ... أعادني لحجمي ... أنا بواب ... حارس ... لو أردت إصباغ الفخامة على عملي سأقول مسؤول أمن ... لن أصل لمستواهم حتى لو طرت ...
أسرعت ملبيا طلب الدكتور من المخبزة ... راجعت كلمات السيد زيّان وهو ينصح عادل إمام في فيلم المتسوّل ... " أي وحدة بتاعة غرزة ... بتبيع حمص الشام ... بتبيع ذرة ... بتلم سبارس بتتمناك " ... ذلك هو التقسيم العادل ... تذكّرت يوم قَتلت كلبة الرعي الألمانية الخاصة بعم بوشوشة كلبا بلديا شاردا ... أراد معاشرتها فقتلته ... حتى الكللابب لو لم تقتنع بك ... لم تنظر لك بعين الإعجاب ستقتلك ... أصلا أنت لم تصدّق في بداية الأمر أن حبيبة الخدّامة قد أعجبت بك ... لولا توفّر تلك الظرفية العجيبة لم تكن لتحلم أصلا أن تنظر لك ... حبيبة الخادمة ؟؟؟ ... حبية ؟؟؟؟ حقا أين ذهب كل ذلك الحب ؟؟؟ ... حب ؟؟؟؟ هو لم يكن حبا ؟؟؟ ... هو نفس شعور الرضيع الجائع ... يعشق الحليب منذ ولادته لكن بمجرّد أن يتذوق الأطعمة الأخرى يتخلّى عنه .... بل يصبح تناوله عقوبة بالنسبة له كلما تواصل نموه ...
نظرة عتاب رمقتني بها البائعة التي تعودت بشاشتها ... لم أفهم سببها ومغزاها ... وضعت طلباتي أمامي وإنشغلت بغيري ... رجعت غير مدرك لطريقي ... خطواتي لا تتحاشى البرك المنتشرة على الطريق ... تشهد على سخاء السماء ليلة أمس ... ليلة سخية بكل ما فيها ... جسد مدام فريال لا يفارق نظري ... وجدت الدكتور ينتظرني عند الباب ... أخذ مني طلباته وأنسحب بهدوء شديد .... لم أفهم بعد سبب حرصه على عدم إحداث جلبة ... أتممت أعمال الصباح الباكر ... حفظتها وأتقنتها ... لا تحتاج عقلا أو مجهودا ... فقط عضلاتي تتحرّك لوحدها ...
خرج زوجان مسرعان ... كأنهما يطاردان شيئا ... ثم تلاهما آخران ... توقّفت حافلة المدرسة ... طار القردان الصغيران نحوها ... لحقتهما أمهما التي صبّحت عليا على غير عادتها ... ثم خرج الدكتور لوحده ... أين زوجته ؟؟؟ مدام سهام ؟؟؟ ... ربما لا تعمل هذا اليوم ... خلت ساحة الحي من أي أثر ... لم أنتظر نداء حبيبة ... صعدت ودققت الجرس ... إستقبلني وجه حبيبة ... وجه جامد لم أفهم من نظراته شيئا ... تبعتها نحو المطبخ ... خطواتها ثابتة على غير العادة ... أردافها لا تهتز ... بدأت ألوم نفسي على خواطري ... ربما إستشعرت رغبتي في فريال فغضبت مني ... لكني لم أغضب منها ... لم أشعر بالغيرة وهي تحتسي خمر الرغبة بين فخذي المدام ... المدام تأمرني بالإنسحاب بيديها ... تراجعت حتى الباب ... لم أفهم ما حدث ؟؟؟ ماذا يحاك في الشقّة من خلفي ... هل أمرهم سي توفيق بطردي ؟؟؟ ... لكنه لم يعترض على وجودي باكرا ...
عدت لأجلس مكاني ... كل شيء جامد إلا عقلي ... كل محركاته تدور ... فكّرت في كل شيء ... وضعت كل الإحتمالات ... وإن يكن ... ؟؟؟ ... فراق مؤلم ... ؟؟؟ ... ضاقت بي الدنيا ... " صباح الخير" ... كلمة أخرجتني من دوّامة التفكير ... رفعت رأسي مستكشفا مصدرها ... " دجو" ... ذلك الشاب الذي سامرته أوّل ليلة في المقهى ... أول لقاء كثانيه ... وضع إصبعيه مقابل شفتيه يطلب سيجارة ... رغم إنزعاجي منه لكني أردت أن أتحدّث مع أي أحد ... وضعت يدي في جيبي وطلبت منه أن يحضر علبة سجائر وقهوة من المقهى في الطرف المقابل ... ذهب مهرولا ... خطواته وهو يهرول لتلبية طلبي أشعرتني بالغبطة ... الخادم يأمر سيده ... العزري أقوى من سيده ... هكذا كانت جدتي تصف مثل هذه المواقف...
مجرّد شعوري بالتفوق عليه أخرجني من حالتي ... ذلك التفوق تجسّم في بقائي جالسا على الكرسي بينما هو برك على الأرض ... على حافة السلّم ... فهمت الآن لما الملوك تضع عروشها فوق درجات ... أن ترى رقاب الناس تحتك شعور بالعظمة لا يقاوم...
راح يؤنس وحشتي ذلك الصباح ... حقيقة لم أفهم ما هي مشكلته بالتحديد ... هو لا يعجبه شيء في حياته ... يسكن عمارة فخمة ... أهله من علية القوم ... لكنه مفلس دائما هكذا فهمت ... يشحت السجائر ... النادل يسخر منه ويذلّه بسبب ديونه ... قضمت حكاياته ساعات الصباح الثقيلة ... وإستنزفت علبة سجائري الجديدة ... ثمن باهظ مقابل نفخ الخصيتين الذي سببه لي ... إنسحب مع وقوف سيّارة عند بوابة عمارتهم ... لم أتبيّن من نزل منها لكنه هرول نحو بيته دون وداع ولا شكر...
لم أزل أراقب خطواته حتى توقفت أمام العمارة سيّارة صفراء ... سيّارة تاكسي ... نزلت منها سيّدة عجوز رغم محاولتها رتق فتق السنين على جسدها بالكريمات والملابس ... يبدو أنها من طبقة بورجوازية متأصّلة ... البورجوازيون لا يركبون التاكسي ... وقفت تنظر للعمارة بتملّي ... وضع السائق حقائب أمام الباب وإنسحب ... لم تعطني الفرصة لأسألها عن بغيتها ... أمرتني بلهجة مفزعة أن أحمل حقائبها واللحاق بها ... كانت تعرف كود فتح الباب ... ربما هي من سكّان العمارة وكانت مسافرة قبل قدومي ... لم تخبرني حبيبة عنها ... كتفاي تؤلماني وذراعي تئن بثقل حملي ... عيناها تعكس إشمئزازها من ركوبي معها في المصعد ... الطابق الثالث ... تخيّلت أنها من عائلة الدكتور ... لكنها توجّهت نحو الباب 6 ... بيت سي توفيق...
نظرة الصدمة على وجه حبيبة و إصفرار وجه فريال بقدومها تؤكدان حبهما لها ... أخت سي توفيق ... دخلت مستعجلة نحو غرفة أخيها ... رغم أني لا أعرفها لكن نبرة التمثيل و التملّق في كلامها لا يخطئها الأصم ... راحت تشكر السماء على عنايتها به ... معتذرة عن عدم زيارته داعية عمن كان السبب في منعها ... فريال بالتأكيد ... التأكيد وصل من لوي شفتيها بعد هذه الجملة .... لم تمنحني فرصة إكتشاف أسرار أكثر ... طردتني من البيت ... نبرة متعالية مليئة بالإحتقار وهي تأمرني بالإلتحاق بعملي ...
ككلب أجرب طرد من أمام **** ... إنسحبت وصدري يعوي ألما ... هذا ما كان ينقصني ... أصلا مجرّد أن يفيق سي توفيق من غيبوبته سيقلل من فرص إجتماعي بحبيبة ويعدم فكرة الوصول لفريال نهائيا ... ومع وجود عجوز النحس بحقائبها الثقيلة ... نظرت لزبي وقلت له ... " نحن مقدمون على سنين جدب وقحط " ... أنا لم أزرع ولم أخزن ما أواجه به القحط ... لا في سنبله ولا مطحون ... أصلا لازلت أتعلّم الحرث ... وسنوات الخصب إنتهت في ليلتها الأولى ...
قرار بتأجيل كل اللقاءات الودية والرسمية ... هكذا أبلغتني حبيبة ما جاء على لسان المدام ... قالت أن وجود العجوز وحالة توفيق يستحيل معها أي نوع من التواصل ... فقط الطعام ... يمكنني أخذه من باب المطبخ سرّا...
باب المطبخ هو نفسه باب النجدة ... يمكن الوصول إليه من السلالم ... ثقل صدري بهذا القرار ... هكذا هو الإنسان ... أصلا طموحي كان إيجاد مكان أنام فيه .. ولما وجدته صرت أطمح لعمل ... ولما عملت صرت أبغي المآنسة ... ولما ونست تعثّرت في الجنس ... ولما خبرته صرت أبغي غير حبيبة شريكا ... والأدهى أني صرت أشتهي زوجة صاحب العمارة ....
مدام فريال ... لست مخطأ ... كانت تنظر لزبي وانا أحشره في حبيبة ... نظرتها كانت تؤكّد أنها تريده وتشتهيني ... ربما هي رغبة طائشة زائلة ... لو كان غير ذلك لما إتخذت مثل هذا القرار ....
قرار كان يجب إتخاذه ... أصلا لم أستوعب ما حصل ... كيف سمحت لهما بممارسة الجنس في بيتي وأمام عيني ... رغبة شديدة تملكتني وأنا أرى إنعكاس متعة حبيبة على عينيها ... متعتها التي نقلتها لي بلسانها ... وهي تداعب بين فخذي ... إنتفض قلبي لذكرى تلك الدقائق ... لسان حبيبة هز وجداني ... كنت أنتظر الشوط الثاني لأطالب بحقي في ذلك القضيب الضخم الشاب ... قضيب أضعت عمري للحصول على أقلّ منه ... هكذا دون **** يرقص شامخا أمامي ... ليتني لم أتردد ... ليتني مددت يدي ولمسته ... خفت أن تفسّر رغبتي بأنه ضعف منهما ... خصوصا وأني لم أضمن ولائهما بعد فقررت تأجيل تلك الجولة قليلا ... تأجيل قطعت عودة النور القيام به ... ثم حالة توفيق زادت في مدّته ... وأخير قدوم هذه العجوز ... فسخ التاريخ منه ليؤجل لأجل غير مسمى ... لن أضيع ما صبرت لأجله سنين مقابل رغبتي مرّة أخرى ... لن أسمح لحبيبة أن تتمتع لوحدها ثانية .... يجب إتخاذ هذا القرار ....
رغم أنّه قرار ظالم لكني لم أنزعج ... شيء ما تغيّر في بمجرّد ملامسة لما بين فخذي فريال ... صرت أتوق للمزيد معها ... أين ذهبت كل تلك الرغبة وذلك الحب لمنذر ... لم يكن حبا ... هي محاولة لإسترجاع ما خطفته مني الظروف و السنين ... لكن ما ذنب ذلك الفتى سيفطر قلبه ... قدوم العجوز أعطاني فرصة لتأجيل إصدار حكم الإعدام على علاقتنا ... لكنه سيحرمني من متعة لم تبدأ بعد مع فريال ... كيف سأحتمل ...
لا أحد يحتمل ذلك ... أن تصبر على الجنس وأنت لم تمارسه عذاب لا يقارن بأن تحرم منه بعد أن تعودّته ... هكذا مرّت تلك الليلة طويلة جدا ... تقلّبت على سريري حتى سئمت أنينه ... خرجت للسطح ... تأمّلت النجوم ... تأمّلت الأضواء ... رفعت عيني للسماء وألقيتها تعانق الأفق ... صدر فريال يرسم في كل شيء ... أسرني ... حرق فؤادي ... أغمضت عيني أحرق صدري بأنفاس سيجارتي الأخيرة ... تخيّلتها ... تخيلتنا ... وجها لوجه ... عروس جميلة ... وإن يكن عمرها أكثر من نصف عمري ... فارق الطبقات يوازي فارق العمر ... مهاترات أكذب بها على نفسي ... ألقيت عقب سيجارتي ... رحت أراقب مصير جمرته التي يقودها تيّار الهواء ... كذلك أنا ... يقودني تيّار بلا قدرة على التحكّم ... ضاق صدري وضاق بي السطح ... نظرت للجهة المقابلة ... دجو يدخل المقهى ... ثم تبعته الشلّة ... صدى ضحكاتهم الخفيفة يصلني ... لن أسهر لوحدي ...
غيّرت ملابسي ... تأنّقت وتعطّرت ... نزلت المصعد مسرعا ... هرولت نحو المقهى ... إستقبلني النادل بترحاب ... جلست في ركن لوحدي ... لم يلبث دجو إلا وإلتحق بي ... لا يهم ما يسببه حديثه لي من إنتفاخ لكنه سيسليني ... سينسيني ألمي وفراغي ... لم يشعل سيجارته الأولى إلا وصوت يأتي من خلفه...
صوت سحب رقابنا قصرا أن تلتفت إليه ... وجه أنثوي جميل ... شابة في الخامسة والعشرين ... سحبت الكرسي وجلست دون إذن ... وكأني غير موجود راحت تقرّعه على أفعاله ... تعدد هفواته أمامي ... لم تتحرج من وجودي ولا من حمرة الخجل على وجهه ... درس في حسن السلوك تابعت كل فصوله بإهتمام ... هي أخته الكبرى ومنزعجة من تصرّفاته ... تريده أن يكون ولدا مطيعا يفخر به أهله .... طال الدرس و طال الحوار ... كنت أترشّف قهوتي مستمتعا بهذا البرنامج الإجتماعي على أرض الواقع ... لم يتجاوب يوسف مع أخته ... حاول إقناعها بتركه لحاله لكنها إستماتت ... سحبته من يده بقوّة ... يبدو انه خشي أن ينتبه له الباقون فإنسحب حفاظا على ماء وجهه....
أكبرت تلك الشابة ... حريصة على مستقبل أخيها ... مؤيداتها وطريقتها في الكلام أقنعتني أنا الذي لا علاقة لي بالموضوع ... وضعت يدي على خدي وتهت في التفكير ... لكل طبقة مشاكلها ... ولكل بيت أسراره ... سئمت الوحدة وتذكّرت مصيبتي فقررت العودة ... توقف المصعد عند الطابق الثالث ... قست الممر جيئة وذهابا ... نظرت لباب الشقة 6 مرارا ... قلبي يغني بحزن موال أغنية " وأني مارق مرّيت ... جنب أبواب البيت " ... قلبي لا يزال يسكن هناك رغم صدور الحكم بنفيه قبل أن يستقرّ ... جررت خطى خيبتي نحو السّلم ... ما إن وصلت قدمي للدرجة الأخيرة حتى سمعت صوتا عجيبا ... كأن أحدا يتحرّك فيه ... هل هي حبيبة ؟؟؟ ... لا صوت أشبه بمحرّك المصعد ... مددت رأسي من باب السطح متحفّزا إما للقتال أو الهرب والصراخ .... السطح فارغ ... جلت بعيني رغم بعض الظلمة لكن لا أحد فيه ... الصوت قادم من طرفه .... إحدى تلك الأواني البيضاء تتحرّك ... جميعها تتجه نحو الشرق إلا أحدها يخرق صف وحدتها ويتحرّك تلقائيا نحو الغرب ...عقلي البسيط لم يستوعب ما يحدث ... لكن الأمر غير عادي ...
دخلت غرفتي ... صارعت النوم حتى هزمته وإستسلمت له ... روتين الصباح كالعادة ... لبيت طلبات الدكتور ... نظّفت وسقيت وقلّمت وألقيت ... فطرت وجلست ... ودّعت السكّان كلّهم ... قررّت التقرّب أكثر من الدكتور ... ربما يكون طوق نجاة لي إذا طرأ أمر في بيت سي توفيق ... أو ربما يكون فرصة لتغيير وضعيتي نحو الأفضل ... أمضيت طول النهار أفكّر وأخطط كيف أتقرّب منه أكثر ... سأنظّف سيارته ... بيتهم بدون خادمة ... سأقدّم خدماتي مجّانا ... شخصية سياسية بارزة مثله يجب تملّقها ...
قبل المغيب بقليل ... توقّفت سيّارة تاكسي أمام العمارة ... كاد قلبي يتوقّف رعبا ... ما هي المصيبة الجديدة التي ستفد علينا ... تركّز نظري على الباب الخلفي ... شعر أنثى يطل من خلف بلور الشبّاك ... فُتح الباب ونزلت فتاة في منتصف العشرينيات ... شعر بني ناعم يلامس رقبتها البيضاء مشكلا نصف دائرة حولها ... حواجب كالهلالين المعكوسين منمقان بدقة شديدة ... عينان ضيقتان يؤكدان وجود الدم الآسوي في عروقها ... أنف مدببة تعلو شفتين ورديتين بلونهما الطبيعي ... أسنانها الأمامية ناتئة قليلا للأمام تدفع شفتها العلي للفوق ... ترتدي قميصا حريريا خفيفا أبيض عليه رسوم ريشة سوداء ... ريشة تدغدغ صدرها النافر رغم صغر حجمه للأعلى ... تحته بنطلون جينز أزرق ... فرض إرتفاع مؤخرتها على جيبيه الخلفيين التوجه لليمين واليسار...
نور وسطع فجأة في عيني ... إنحنت تحاسب السائق من خلف الشباك ... تكورت مؤخرتها التي جلعت قلبي يقفز محاولا الفرار من ضلوعي ... وقفت من مجلسي محاولا أن أخفي نظراتي قبل أن تكشفني ... إنسحبت التاكسي مخلّفة ورائها سحابا من الدخان وأكداسا من الحقائب ... وكأنه لا يكفيها ما أحدثه وجودها بكياني حتى تزيد نار عذابي .. تبسمت فأشرق بياض أسنانها ... زادتها تلك الفتحة بين سنيها الأماميتين نورا ... أغمضت عيني وهززت رأسي محاولا أن أفيق من حلمي ... قبل أن أفتح عيني بادرتني بالتحية ... تتكلّم بلساننا ... خلتها يابانية أو بطلة إحدى المسلسلات الكورية المترجمة .... وقفت دون حراك كصنم أمامها ... كنت أرى شفتيها تتحرّكان لكني لا أسمع ... حركة من يدها أمام عيني مباشرة وكلمة تخرج بلحن رقيق من شفتيها " أوأو " ... أفقت من سكرتي بجمالها ... لكني لم أتحرّك...
" تنجّم تطلّعهم معايا ... ثقال برشة عليا " ....
كم الحنان في نبرة صوتها يجعلني أحمل الجبال وأصعد بها للسماء ... رغم أن حقائبها كانت ثقيلة لكني تحاملت ... قوة غريبة سكنتني ... حملتها كلّها دفعة واحدة وسبقتها للمصعد ... رصفتها بجانب بعض ... أفسحت لها المكان لتدخل ... وجود الحقائب جعلنا نتلاصق تقريبا ... مددت يدي للضغط على الزر رقم واحد حسب طلبها ... أدارت كتفيها لتمنحني حرية الحركة ... إحتك صدري بحلمة صدرها ... صعد الدم لرأسي مع تلك اللمسة الحنونة ... أكاد أنفجر ... لا أعلم سبب حمرة وجهي أهو الخجل من إنتصابي أم شيء آخر ...
حاولت أن تساعدني في حملي لكني رفضت ببسالة ... سبقتني للممر ... لو كنت أعمى ستعيد هزات ردفيها لي بصري ... لم أعلم أهي حاسة لدى المرأة تمكنها من إكتشاف متلصص يمشي خلفها ... أم هي ثقة في ما تملك جعلتها تلتفت فجأة لتضبطني بالجريمة المشروعة ... مؤخرة كهذه يعاقبك القانون لو لم تتمتع بالنظر لها...
أدارت وجهها ... أقسم أني أحسست بها تبتسم ... وقفت أمام الشقة رقم 2 ... فتحت محفظة يديها ... قبل أن تتم فتحها نطق لساني " لا لا مش لازم ... هذا أقلّ واجب " ... سحبت سلسة المفاتيح وفتحت باب الشقّة ... ثم سحبت الحقائب للداخل وودعتني بنظرة قتلتني حرجا ... يا ليتني كنت ترابا...
عدّت للمصعد ... أغلق الباب ... نظرت لنفسي في مرآته ... لطمت خدي على حمقي ... خلتها ستقدّم لي بقشيشا ... لم أرد أن تشعر أني أقلّ منها ... فتأكدت أني أحمق غبي ... لطمت وجهي وبدأت بالصراخ ... خرجت من باب العمارة يقضم الندم أطراف صدري ويجرح الحرج داخله ... أمسكتني الغصة ... جلست على الكرسي أضع جبيني على أصابعي ... من تكون تلك اللوحة ؟؟؟ ... الشقة واحد ؟؟؟ ... صاحبة البيت أصغر من أن تكون أمّها وهي أبعد بالشبه من أن تكون أخت صاحبه ؟؟؟ لا يهم فقد خسرت كل نقاطك قبل البداية ...
صوت فرامل سيّارة تقف أمامي ... فتح باب التاكسي في نفس اللحظة التي رفعت فيها رأسي ... الفردة اليمنى لحذاء بكعب عالي أبيض تحط على الأرض ... جوارب سوداء شفافة تعلو حتى منتصف الفخذ ... فخذ أبيض إنحسر عنه قماش تنورة زرقاء قصيرة ... الفردة الثانية تجتهد للخروج من السيّارة ... إرتفعت الرجل اليسرى للأعلى قليلا ... مثّلث قماش كيلوت رمادي يصوب نحو عيني كرصاصة قناص ... عشر جزء من الثانية سيرسم صورة تسكن خيالي لسنين ... تجمدت حركات الكون كلّه ... إلتقت فردتا الحذاء ببعض متجاورتين ... ركبتان متاسقتان تغالطين العين بقماش الجوارب الشفافة ... فجأة نزل الستار على المشهد ... معطف طويل أنهى لقاء عيني بأجمل ما رأت...
جف حلقي وعينان تراقباني مشدوهتين ... السيدة سهام زوجة الدكتور ... تضع بعض أكياس المشتريات على الأرض ... لم تقدر ركبي على حملي وذبذبات ذلك الصوت الحنون تدغدغ أوتار رغبتي ... " إيجا هز معايا ... شتقعد تتفرّج فيا برشة" ...
إنتهى أمري لقد ضبطتني أختلس النظر لها ... قفزت نحوها وحملت عنها الأكياس كلّها ... تنفيذا لأصول الإتيكيت .. تركتها تسير أمامي ... خشيت أن تضبطني أتلصص على مؤخرتها فيقضى على أحلام الوصول لزوجها ... فغرست عيني في الأرض ... كدت أسجد شكرا لحظي أني أفلت من الرصاصة حين إلتفت ووجدتني أنظر للأرض...
يبدو أن أيّامي صارت معدودة بهذه العمارة ... وجهها تحوّل للون الأسود غضبا من فعلتي ... كأن المصعد صار يزحف صعودا ... عيناها تخنقانني رغم أنها تشيح بنظرها للإتجاه الآخر ... توقف المصعد ... جاهدت نفسي أن لا أنظر لخلفيتها المبهرة ... لم أفهم سرّ غضبها ... إعتقدت أن أدبي سيمثل إعتذارا عن قلته الغير مقصودة وهي تنزل من التاكسي ... وجهها زاد سوادا ...
وضعت الأكياس أمام باب الشقة وهممت بالهرب ... ما إن خطوت خطوتين حتى لحقني صوتها الذي يبقى عذبا رغم غضبها ... " إيجا هنا وين ماشي ؟؟ " ... تراجعت نحوها مطيعا أمرها بالعودة ... فتحت حقيبة يدها ... لم أتحرّك حتى أتبيّن ما ستفعله ... مرارة إحراجي قبل قليل لم تزل تغطي حلقي ... سحبت كيس نقودها ... وضعت في يدي ورقة نقدية ... " عيشك يا مدام ... مش لازم ... هاذي خدمتي" ...
نظرت في عيني نظرة إحتقار و كره ... نطق حلقها بغلّ حارق ... " إجري جيب زوز خبزات وباكو مالبورو أبيض " ... قبل أن يصل المصعد للطابق السفلي ... نزفت خدودي دما من كثرة لطمي لها ... كل تلك التفاعلات النفسية دفعتني للجري ... أن تحرج نفسك مرّتين في وقت قصير وبنفس الطريقة .... شيء لا يحتمل .... إنقباض وتقلّص في كل عضلات جسدي ... أفرغت حالتي في الجري ... وضعت الخبزتين وعلبة السجائر ... بين يديها ... لم أرفع رأسي فيها وهي تقف عند الباب....
خنقتني الغصة ... وخنقت نفسي ... صعدت لغرفتي ... أجرّ قدمي ... الماء البارد تبخّر بفعل حرارة وجنتي ... كل تصرّفاتي خاطئة ... لم أتعلّم شيئا رغم الثلاث أسابيع التي مرّت عليا في هذه العمارة ... أشعلت سيجارة ووقفت قرب سور السطح ... الأواني البيضاء كلّها في إتجاه واحد ... ذلك الطبق قرر التوبة والعودة لصف إخوته ...
نزلت أسفل العمارة ... رغم أنه ليس هناك من داعي لذلك لكني لزمت مكاني ... ثم رحت أجول كل الحي ... كطواف أغسل به ذنوبا إرتكبتها عيني ... لم أرفعها من الأرض ... طفت وجلت وطفت وجلت ... حتى تعبت قدمي ...
صعدت غرفتي غيّرت ملابسي ... نزلت عبر سلّم المطبخ ... تسلّمت طبق عشائي من حبيبة ... نظرت في عينيها مستجديا حضورها ... مرارة هذا اليوم يجب أن تغسل بشيء من الحنان ... إشتقت لحبيبة ... لأي حبيبة كانت ... لم تعدني بشيء ... خاب أملي ... شحن جنسي و مرار خيبة وفراغ ... لم أستطع الأكل ...
نزلت للشارع ... خرجت من الحي ... تجوّلت حتى تعبت قدمي ... دخلت مقهى شعبي في حي الفقراء ... لا أحد يهتم ... صراخ وسباب وشتم ... لعب ورق ... عراك ... دخان الشيشة يغطي المكان كسحب ... وضع النادل قهوتي أمامي ... وقف ينتظر ثمنها ... في مثل هذا الحي يجب عليه التصرّف بهكذا فضاضة لتتجنّب الخسارة ... الأمر اكثر من عادي أن يهرب زبونك دون سداد ... تركني سعيدا بما أعطيته ... أشعلت سيجارة ورحت أندب حمقي ... غريب أمر نفسية الإنسان ... عندما تجلد نفسك ... يتحفّز فيك شيء يدافع عنك ... كمحكمة داخلية ... لسان دفاع ولسان إدعاء ... مرافعة الدفاع بعثت في شيئا من الأمل ...رجل عجوز يدخن سجائر مهرّبة يسعل حتى كادت رئتاه تخرج من حلقه ... ترك رقعة بصاق صفراء على الأرض أمامي .... تركت ذلك المكان بضوضائه وقرفه ورائحته ...
في الطريق نطق لسان الإدعاء ثانية ... مجرّد أسابيع قليلة في حياة الرفاهة جعلتك تقرف ممن هم أشبه بك ... تخيّل كيف يراك سكان العمارة ... مدام فريال ... مدام سهام ... اليايانية التونسية هذه ... ناهيك عمن يمرون بجانبك ولا يرونك ... ضع قدميك على الأرض ولا تحلم ...
ما إن وضعت قدمي على السطح ... نور غرفتي مضاء ... هل تركت الباب مفتوحا عند خروجي ؟؟؟ ... لا يمكن ؟؟؟ هناك من فتحه وأشعل النور ... حبيبة ؟؟؟ هل إستجابت لدعوتي ؟؟؟ ... كنت متأكدا أنها لن تصبر على فراقي ... خرقت الهدنة وصعدت ... مجرّد تخيلها معي دفع إنتصابي على أشدّه ...
دخلت الباب ... مؤخرة مرفوعة للأعلى ... ورأسها على السرير ... هي هكذا تعودت الترتيب ... لم تجدني فراحت ترتب الفراش ... تحضيرا لمعركتنا...
وقفت خلفها ... وضعت يدي على وسطها ... سحبتها نحوي و غرست زبي بين جانبي مؤخرتها ... فركت رأسه بينهما ... قبل أن أنطقي بشوقي لها ... أفلتت من يدي ... رأس يطلّ من خلف كتفيها ... عينان تشتعلان نارا ... مدام سهام ؟؟؟؟
توقف الدم في عروقي وقلبي عني النبض والأرض عن الدوران ... تفتحت عيناها على آخرها مصدومة مما فعلت ... أراد لساني التحرّك معتذرا ... " أنا آسف كنت فاكر... " ... فجأة تداركت نفسي ... سأفضح نفسي و أفضح حبيبة ... وقفت تعدّل ملابسها ... غرست عيني في الأرض والحرج يقتلني ... صدق المثل التونسي " تقدّم تجي في الواد ... توخّر تجي في حجر عبشّة ... (سبق وأن أعلمتكم أني لا أعلم من هو عبشّة وجاري البحث عنه) ... لو إعترفت سأناك ولو صمت سأناك ... بما أني مناك من الناحيتين ... سأحفظ سرّ حبيبة وأتحمّل وزر تسرعي بنفسي...
نظرت مدام سهام في عيني مباشرة ... سهام عديدة إخترقت قلبي ... لم اعرف أين أذهب وماذا أفعل ... دفعتني بعنف لأفسح المجال لها للخروج من الباب ... مرّت أمامي بسرعة البرق ... ألقيت بنفسي على السرير منهكا ... لا يمكن لقلبي الصغير أن يحتمل كل هذا التقريع ... لطمت ضميري .. إخرس فلست مذنبا في شيء ... هو القدر يدفع تجربتي في هذه العمارة لنهاية سريعة ... تبا لك من حظ...
مجرّد تخيّل منظري وأنا أقف مطأطأ رأسي أمام الدكتور وهو يقرّعني ... يقرّعني ... سيعدمني ... تحرّشت بزوجة نائب موقّر ... سأدفن في السجن على أقلّ تقدير ... مصير أسود بسواد هذا الليل الثقيل ...
هل سيكتفي بطردي ... يستحيل ... سيشتكى للشرطة ... سأنال جزاء سنمار منهم ... ثم سيسلّط القاضي عليا أقصى عقوبة ... لن يقبل أحد إعتذاري ... المرّة السابقة نجوت بأعجوبة من مدام فريال ... هذه المرّة الوضع مختلف ... لا زوجها عجوز ولا مقعد ... ولم تعتدني أو أتقرّب منها حتى يدفعها جنون رغبتها نحوي...
فريال نفسها لم تندفع نحوي ... جرذ مثلي سيلوث قداستهم ... ما الحل ؟؟؟ جبت السطح جيئة وذهابا ... الساعة لم تتجاوز التاسعة والنصف ... سألملم أدباشي ... لا أحد يعرف هويتي الكاملة ولا عنواني ... يفيقون غدا فلن يجدوني ... غيابي سيحلّ كل المشاكل ... لا أعتقد أن شخصية مهمة كالدكتور سيلوث سمعته من أجلي ... سأهرب وينتهي الأمر ....
دخلت الغرفة ... لملمت ملابسي الجديدة ... حشرتها بسرعة في كيس قماش ... سحبت ثروتي الصغيرة من مخبأها ... عددتها قاربت الألف دينار ... تكفي لشراء عنزات أرعاها بالقرية ... وأعود سيرتي الأولى ... يبدو أن هذه المدينة لا تتقبل وجودي ... دخلت الحمام أتخلّص من ألم إسهال سببه الرعب ... إسهال أبى أن يتركني أرحل ... كلّما وصلت الباب دفعني للعودة للحمام ... فرغت بطني لكن أمعائي لا زالت تعتصر ... ركبي بدأت ترتعش ... لم أعرف ما أصابني ... فترت عضلاتي .... جاهدت نفسي للوقوف ... أي تأخير سيفسد خطتي للهرب ... وقفت أجاهد نفسي ... نظرت لنفسي في مرآة الحمام ... لوني أصفر ... عيناي غائرتان ... إقتربت من باب الغرفة ... وقفت عنده قليلا ... قبل إطفاء نورها رحت أجيل النظر بين أرجائها كأني أودّعها ... ما إن أطفأت النور حتى وصلني مربع ضوء قادم من باب السلّم ... ظلّ رأس طويل يزحف نحو رجلي ... جف حلقي وتوقّف قلبي ... ما هي المصيبة القادمة نحوي ... رفعت رأسي أتبع الظل الطويل ... إنتهت رجلاه بحذاء منزلي نسائي ... رفعت عيني تدريجيا ... جزء صغير من جلد أبيض يعكسه نور السلّم الخفيف ... قماش حريري لروب منزلي أبيض ... رفعت رأسي لأصدم بعيني سهام تخرق نظري بسهام عينيها ... دمعت عيني رعبا دون رغبة مني في البكاء ... حاولت إخفاء دماء عيني بأن لحقتها في طرف مقلتي قبل أن تفلت ...
لم أجد ما أقول ولا ما أفعل ... كنت انتظر وصول ظل زوجها نحوي ... غرست عيني في الأرض أرتّل كل الأذكار التي أعرفها مودعا الدنيا ... سكرة الموت جعلت أقدامي تضطرب ... أصابني الصمم والعمى معا ... لا أدري كم لبثت ... فجأة إلتقطت أذني ذبذبات صوت عذب ... صوت لا غضب فيه رغم جدّيته....
" شوفلي الفيشة بتاع سلك التفزيون وقعت تحت سريرك" ...
لم أصدّق أذني ... كنت أنتظر إطلاق الرصاص علي ... لم أتحرّك ... حتى نهرني الصوت آمرا بسرعة التحرّك ... لم أفهم ما المطلوب لكني ألقيت كيس ملابسي من يدي ... دخلت غرفتي أبحث عن الفيشة ... رعبي ورهبتي وإرتباكي انسياني إشعال الأنوار ... رغم الظلمة فقد تحسست يدي مكانها... قطعة معدنية صغيرة ... تقدّمت من مدام سهام التي لازالت تقف عند الباب ... أمسك القطعة المعدنية بحذر بين سبابتي وإبهامي ... ركبي تصطك كلّ ما تقدّمت خطوة منها ... وقفت أمامها مكسور العين ... ومددت لها الفيشة وبقيت أنتظر ... لم تأخذها من يدي ... بقيت تنظر لي أهتز أمامها كفرخ سقط من عشّه ...
" مدادهالي شنعمل بيها ؟؟؟ تحرّك رجعلي الإرسال المسلسل قريب يبدى"
أرجع الإرسال ؟؟؟ ... نعم سأفعل ؟؟؟ ... سأرجع الإرسال ... سأغيّر مدار القمر الصناعي ... ولو إستوجب الأمر ... سأمثّل لها المسلسل لو فاتتها منه لقطة ... المهم أن لا تخبر زوجها ... زحفت على ركبي نحو الطبق اللاقط ... وجدت السلك ملقى على الأرض ... جاهدت رعشة يدي حتى ثبتُ الفيشة على السلك ... إن إستجاب السلك لي أوّل الأمر ... لكن حشره في ذلك الثقب الضيق على رأس أعلى الطبق .. يتطلّب تركيزا لا أمتلكه ... رعشة يدي وإرتجاف ركبي من الرعب و ما خلّفه الإسهال في عضلاتي ... زده وقوف مدام سهام خلفي ... لم أوفّق رغم تكراري المحاولة ... ضجرت مدام سهام من إنتظاري ...
شبيك ؟؟؟ لتو ما كمّلتش ؟؟؟
لا قريب نكمّل ... ما لقيتش النقبة ؟؟؟
(دوى ضحكها بالمكان ... لم أفهم السبب ... كلمة الثقب هي السبب) تقريب عندك مشكلة مع النقُب ...
(ضحكها أعاد لي جزء من الطمأنينة ... صوتها العذب برّد نار رعبي ... على وقع كلماتها إنحشر السلك النحاسي في الثقب الضيق ... لم أعلم كيف خرجت تلك الكلمة من فمي ) هاني حشيتهولك يا مدام ... .
لم أتم كلامي حتى وضعت سهام يديها على ركبتيها تتلوى من الضحك ... لم أقصد ما فهمت لكن الكلمة أفلتت ... حشيتهولك ... أنا قصدت أني أدخلت السلك في مكانه من أجلها ... إحدى أخطر الهفوات في لهجتنا التونسية ... إستعمال الضمير هو مع نصف الأفعال يعتبر سبيلا للغش في الكلام ... عطيتهولك ... مديتهولك ... وريتهولك ... جبدته ... حطيته ... دائما تفسّر بأنها قلّة أدب...
أزعجتها قلّة أدبي قبل قليل وأضحكتها زلّتي العفوية ... لم أتمالك نفسي عن الضحك ... تركتني مشدوها وإنسحبت نازلة السلّم ... لم تزل تضحك من اللقطة الطريفة ... حتى غاب خيالها عني ... راحة شديدة شعرت بها ... سعادة من أفلت من حبل المشنقة ... دخلت غرفتي مرتعشا ... كلما تذكّرت تلك الكلمة إنتفظت ضاحكا ... ضحك ممزوج بالسعادة ... بدأت بطني تقرصني ... تريد تعويض ما خسرته بسبب الإسهال ... تناولت عشاءي ... حتما لن يكون العشاء الأخير ....
فتحت باب الشّقة أشهق من الضحك ... عفوية هذا الشاب تأسرني ... بسيط لدرجة الغموض ... رغم أنه منذ تعيينه حارسا بالعمارة لم يرفع نظره في ... لكنه اليوم كان مختلفا .... فتحت التلفاز ... مسلسلي التركي اليومي بدأ منذ قليل ... فاتتني منه بضع لقطات ... لم أغضب من الأمر ... على غير العادة....
الشقة فارغة ... هادئة كعادتها ... هدوء أقرب للموت ... ماجد لا يحدث صوتا ... منذ إرتبطت به وهو هادئ ... هادئ في كلّ شيء ... هدوء أقرب للرتابة ... هو يظن انه بذلك يوفّر لي الراحة ... لكني أفتقد ونسه ونفسه ... صوت عالي ... موسيقى عالية ... ضجيج ... عنف ... إنطلاق ؟؟؟ ...
لم يكن هكذا وهو يلقي علينا الدروس ... صوته كان يهز أرجاء المدرّج ... يل الجامعة ككل الكل كان يهابه ... شخصيّة قوية ... يلسع أذاننا بنقده اللاذع ... كنا وكأن الطير تحط على رؤوسنا وهو يلقي كلماته الفصيحة علينا ... أستاذ في العلوم السياسية والقانون الدستوري ... لم يتجرّأ أحد من الطلبة على التغيّب عن حصّة واحدة له ... أحيانا بعض طلاّب الإختصاصات الأخرى يتسللون للنهل من معارفه ... كان متزوّجا ... سيّارته القديمة تقف أمام الجامعة ... الكل يعرفها ... تلك السيّارة كانت سببا في معرفتنا ... تعطّلت به في يوم ماطر ... كنت رفقة زميلتي نمضي بعض الوقت في مقهى ...